نزَلَ القرآن الكريم جُملةً واحدة، ثُمَّ كانَ تنزيلهُ مُفرّقاً على رسول الله مُحمّد صلّى الله عليهِ وسلّم على مدى حياتِه، وقد أنزله الله بوحيٍ من رسوله أمين الوحي جبريل عليه السلام، وقد نزَلت آيات القُرآن الكريم كُلٌّ حسب الحادثة أو السبب الذي أدّى إلى نزول هذه الآية أو السورة، وقد صنّف العُلماء الأوائل كُتُباً في ما هى اسباب النزول ومواطن نزولها والزّمن الذي نزلت فيه، ومعرفة ما هى اسباب النزول تُفيد بشكلٍ كبير في معرفة تفسير القرآن، وهذا من التأويل الّذي آتاه الله لمن شاءَ من عباده، وقد عُرِف عن الصحابيّ الجليل عبد الله بن عبّاس معرفتهُ بتأويل القرآن ومقاصد التنزيل الكريم، وهوَ حبر هذهِ الأمّة رضيَ الله عنه وتُرجمان القرآن.
هي إحدى السور القِصار الّتي يبلغ عدد آياتها ثلاث آيات كريمات، وهي سورةٌ مدنيّة؛ أي إنّها أُنزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد الهجرة في المدينة المنوّرة، ومِن أسماء هذهِ السورة ( إذا جاء نصر الله والفتح) وذلك حسب أوّل آية من السورة، وتُسمّى أيضاً سورة (التوديع)، وأيضاً تسمّى سورة (الفتح).
متى نزلت سورة النصر؟
نزلت سورة النصر على عدّة أقوال بين أهل العِلم؛ حيث يقول عبد الله بن عُمر رضيَ الله عنهما: نزلت هذهِ السورة بمِنى في حجّة الوداع، ثمّ نزلت (اليوم أكملت لكُم دينكم)، فعاشَ بعدها رسول الله صلّى الله عليهِ وسلّم ثمانينَ يوماً، ولذلك فهيَ تُسمّى سورة التوديع؛ لأنَّ عبد الله بن عبّاس رضيَ الله عنهما قالَ في تأويل هذهِ السورة إنّها دلالة على دنوّ أجل رسول الله صلّى الله عليهِ وسلّم.
ويقول بعض أهل العلم إنّها نزلت بعدَ انصراف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غزوة حُنين، وقال آخرون بأنّها نزلت في وقت غزوة خيبر؛ فكانَ النصر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم والفتحُ المُبين في يوم مكّة. ولا خلاف على أنَّ الفتح المذكور في السورة الكريمة هو فتح مكّة الّذي أكرم الله بهِ نبيّهُ صلّى الله عليهِ وسلّم، وأيّاً كانَ الأمر فإنَّ نزول سورة النصر كانَ به تبشيرٌ ظاهر بالنّصر لرسول الله صلّى الله عليهِ وسلّم ولِمن معهُ من المؤمنين، وبشارةٌ لهُ صلّى الله عليهِ وسلّم بالفتح الّذي أكرمه الله به، وفيه أمرٌ من الله لرسوله بتسبيح الله واستغفاره، فمعَ النصر والفتح يكونُ الإقبال على الله تعالى بالإنابة، وهذا ما عليه خُلُق الفاتحين والمُنتصرين المُعترفين لله بالفضل لنصرهم على عدوّهم.
