عرف النّاس منذ القدم مفهوم وتعريف ومعنى الثّورات ، فمتى ما تحقّقت أسبابها حصلت إذا توفّرت البيئة المناسبة و الظّروف المناسبة و التّوقيت الصّحيح ، و إنّ ما هى اسباب الثّورات تتمحور حول وجود الظّلم من قبل الحاكم اتجاه الرّعية و عدم تحقيق العدالة و المساواة بين النّاس ، فحين يشعر الإنسان بأنّه غير قادرٍ على تلبية متطلبات حياته اليوميّة ، و حين يشعر بأنّ حقوقه في العيش و الكرامة و الأمن منتقصةٌ يثور لأجل ذلك كلّه ، فالحريّة و الانعتاق من ربقة الظّلم هو غاية النّاس جميعاً ، فقد خلق الله سبحانه و تعالى الإنسان و كرّمه على جميع خلقه و ولده حراً كريماً ، و أعطاه كلّ الحقوق بالعيش منحةً منه سبحانه و تفضيلا ، و قد أكّدت الشّرائع السماويّة على ذلك ، ثمّ جاءت الشّرائع الوضعيّة لتحاول إنصاف الإنسان و لكن دون جدوى ، فالكمال المطلق هو لله وحده و لشريعته ، أمّا شرائع البشر فهي ناقصةٌ بنقصان من شرعها و افتقاره ، فمتى ما كانت هناك دولةٌ إسلاميّةٌ تحكم بكتاب الله سبحانه و سنّة نبيّه كانت العدالة المطلقة و الحكم الرّاشد ، و من ثمّ لم تكن هناك حاجةٌ لأن يفكر الإنسان حينئذٍ بالثّورة لأنّ أسبابها منعدمة ، فحقوق الفرد في الإسلام مصونةٌ و حفظ كرامته و حقّه في التّعبير محفوظ .
و نحن نشهد مؤخراً حدوث ثوراتٍ في بعض البلدان العربيّة اصطلح على تسميتها بثورات الرّبيع العربي ، و قد بدأت شرارتها في تونس حيث ثار التّونسيون على الحكم الظّالم المستبدّ و رفضوه ، و من ثمّ تبعهم في ذلك و كان على أثرهم الشّعب المصري الذي عبّر في ثورة 25 يناير عن تطلعاته و آماله في الحصول على الحريّة و الكرامة و العيش الكريم ، فشرارة الثّورة المصريّة بدأت حين قتل أحد المصريّين بصورةٍ بشعةٍ من قبل أفراد الشّرطة ، لتكون تلك الحادثة مقدّمةً لمظاهرات و احتجاجات انتهت بثورةٍ عارمةٍ خرج فيها الشّعب المصري بجميع مكوناته ليجتمع في ميدان التّحرير و يرفع شعارات الثّورة التي طالبت برحيل الحاكم الظّالم ، و تمكين الشّعب من حكم نفسه بنفسه من خلال مؤسسات دستوريّةٍ منتخبةٍ تلبّي تطلعات النّاس المتعطّشين نحو الحريّة و تحقيق العدالة و توفير ما هى اسباب العيش الكريم من بعد أن ساد الفقر و انتشر انتشار النّار في الهشيم .
