بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه من والاه. أما بعد،
لم ترضى قريش بالهزيمة التي أَلَمَّت بها في غزوة بدر، وقررت أن تنتقم لها؛ لاستعادة هيبتها ومكانتها بين قبال العرب، بالإضافة لرغبتها بتأمين طرق ووسائل التجارة التي تسير بها قوافلها إلى الشام، فلذلك توجهت قريش إلى المدينة في نحو ثلاثة آلاف مقاتل؛ لقتال المسلمين والنيل منهم، وقد كان ذلك في السنة الثالثة من الهجرة، وعندما وصل خبر تحرك المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، استشار أصحابه فأشاروا عليه بأن يلاقوهم خارج المدينة. فجهز الرسول جيشًا تعداده ألف مقاتل، واستعد هو وأصحابه لمواجهة المشركين.
إقرأ أيضا : تعرف على ما هى غزوة احد
ولما وصل المشركون إلى المدينة عسكروا عند جبل أحد، وخرج عليهم المسلمين. ومن التدابير العسكرية التي اتخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر قوة من الرماة بقيادة عبد الله بن جبير بالمكوث على جبل عينين والذي يعرف أيضًا بجبل الرماة، وهو جبل قريب من جبل أحد، وأمرهم أيضًا بألا يبرحوا من أماكنهم؛ وذلك حتى يُؤَمِّنُوا الحماية للجيش، وبعد ذلك بدأت المعركة، وفي بادئ الأمر انهزم المشركون وهربوا وولوا مدبرين، وعندما رأى الرماة هزيمتهم وفرارهم، غادروا أماكنهم طمعًا بالغنائم، فلم يستجيبوا لأوامر قائدهم، وتذكيره لهم بالعهد مع رسول الله بألا يبرحوا من أماكنهم.
وقد استغل خالد بن الوليد هذه الفرصة، وقَدِمَ إلى بقية الرماة وقتلهم، ومن ثم التف على المسلمين، فانقلبت هزيمة المشركين إلى انتصار، فهجموا على المسلمين من كل جانب، فثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكانه، وأصيب بعدة جراح، وسالت الدماء من وجهه الشريف، كما أشيع أيضًا في المعركة أنه قد قُتِل، واستشهد في هذه المعركة الكثير من الصحابة. وبعد نهاية المعركة انسحب المشركون وعادوا إلى مكة، وتجاهلوا كل الغنائم والأسرى، ولم يأخذوا معهم منها شيئًا.
على الرغم من الهزيمة التي لحقت بالمسلمين في هذه المعركة، إلا أنه قد كان لها حكم وغايات عديدة، فقد تبين للمسلمين كيف أن الجرأة في عصيان أوامر الرسول لا تكون عواقبها إلا وخيمة وسيئة، فكان هذا درسًا وعبرةً لهم، كما قد نزلت في هذه المعركة العديد من الآيات التي فيها إحياء لعزائم المسلمين ومواساة لهم، ومن فوائد الأخرى لهذه المعركة أنها قد كانت سببًا في تنقية الصف المسلم من المنافقين، حيث أنها قد كشفت المنافقين وفضحتهم، وذلك عندما انسحب المنافق عبد الله بن أبي سلول ومعه ما يقارب ثلث المقاتلين ممن كانوا مثله في نفاقه.
