الصحراء

تُعدُّ الصحراءِ إحدى تضاريس الطبيعةِ التي خلقَها الله -سبحانه وتعالى-، وقد حَباها بالعديدِ من الامتيازات الجمالية والسحر الذي لا يكون إلا فيها، وعلى الرغم من قساوة ظروف الصحراء من ناحية الطقس وقلة الأمطار وقلة الغطاء النباتيّ أو انعدامه، إلا أن لها خصوصية كبيرة وميزة لا تتوفّر في غيرها من التضاريس الأخرى، وذلك من ناحيةِ السكينة التي يستشعرها المرء حين يكون فيها، فالصحراء تمتاز بليلها الهادئ وسمائها الصافية ونجومها اللامعة.

تنتشرُ في الصحراء رمالها الذهبيّة التي تُضفي عليها رونقًا خاصًا، كما ينتشر فيها العديد من الكثبان الرملية التي تتشكّل بأشكالٍ مختلفة وتُعطي منظرًا ساحرًا لها، وأكثر ما يُبهج فيها هو منظر النباتات التي تنمو في بعض مناطقها متحديةً صعوبة الظروف، فتغدو كأنها مثالٌ للصبر والتحدّي، بالإضافة إلى وجود الحيوانات الصحراوية التي تمشي فيها متحمّلةً الجوعَ والعطش، والجمل احسن وأفضل مثالٍ على حيوانات الصحراء الصامدة في وجه جميع الظروف الصحراويّة القاسية.

على الرّغم من أن الغالبيّة العظمى من الناس يعدّونَ وجود الصحراء شيئًا سلبيًا، إلا أنهم لم يلمسوا الجانب الإيجابي فيها، فالعديدُ من الدول العظمى جعلت من هذه الصحراء واحات فائقة الجمال، واستصلحت أراضيها وزرعت فيها العديد من المحاصيل التي يناسبها المناخ الصحراويّ، وبالإضافة إلى هذا فإن الصحراء من أكثر الأماكن الملهمة والتي تُشعل شغف القلب وتعطي للشخص دافعًا كي يقول الحكمة والشعر والأدب، ويظهر هذا واضحًا في تأثير ونتائج الصحراء على العرب القدماء الذين عاشوا فيها عيشة البداوة، وتعلموا منها أشياء كثيرة كالصبر على قساوة العيش وظروف الطقس وقلة الطعام والماء.

إن الحياةَ في الصحراء هي أكبر مُعلّم؛ إذ يمكن للشخص أن يأخذَ منها الكثير من الدروس والعبر، لأنّ مّن يعيش يتعلم منها أشياء كثيرة، ولها قيمة تاريخية عظمى لأن رمالها تحكي سيرة الآباء والأجداد القدماء، وتحكي الكثير من القصص والروايات عن القبائل التي كانت تسكنُها، كما أن فيها مخزونًا كبيرًا من الأسرار المخبّأة بينَ ثناياها، فهي عالمٌ ممتلئٌ بالدهشةِ والإثارة.

من الممكن أن تكونَ الصحراء موحشة في بعض الأحيان، ومَرَدُّ ذلك أنّ طبيعتها القاسية قد تسبّبُ التعبَ والإرهاقَ لكلِّ مَن يسكنُها، لكنها بحقّ مساحة شاسعة من الجمال، ويكفي أن رمالها الناعمة ترسم لوحاتٍ جميلة على وجهها كأنها رُسمت بيد فنان ماهر، فهي تُعطي أملاً وتحديًا كبيرًا لمواصلة الحياة وزيادة الصبر والتحمّل واحتمال ظروفها الصعبة، وهي لا تقلُّ جمالاً وسحرًا عن الجبال والسهول والأنهار والبحار التي خلقَها الله تعالى فأحسنَ خلقَه؛ لأنّ لكلِّ شيء سحرًا خاصًّا فيه.