السامري
السامري هو رجل يهودي اختلف العلماء في حقيقته وتعرف ما هو اسمه أو بلده، بحيث يورد البعض بأنه موسى بن ظفر، أو ميخا، وأن بلدته الأصلية تدعى كرمان، وآخرون يرون بأنه يدعى ميجا، وفرق ثالث يحتج بقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: " كان السامري من قوم يعبدون البقر فوقع بأرض مصر فدخل في دين بني إسرائيل بظاهره، وفي قلبه ما فيه من عبادة البقر"، ويرى فريق رابع في أنه كان عظيما من عظماء بني إسرائيل من قبيلة تعرف بالسامرة فسمي بالسامري نسبة إليها، هذا كله يثبت لنا بأن السامري كان من بني إسرائيل غير أنه كان ضالا وثنيا أراد أن يظهر أمره ويرفع شأنه بذلك.
قوم موسى والسامري
أدى ما حدث في يوم الزينة بين فرعون وموسى وإيمان السحرة المصريين الفر اعنة إلى نقمة فرعون على بني إسرائيل حتى قاد جيشه لقتالهم، فأمر الله موسى -عليه السلام- بأن يذهب باتجاه البحر، وحين وصلوا لحق بهم فرعون بجيشه وأصبحوا بين فرعون والبحر، لا يعلمون ما يفعلون، يقول تعالى: "قال أصحاب موسى إنا لمدركون، قال كلا إن معي ربي سيهدين".
فأوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فكان كل فرق كالطود العظيم، وفتح الله لموسى وقومه طريقا في البحر يبسا فمر منه موسى وقومه فلحقهم فرعون وجنوده فغشيهم من البحر ما غشيهم، وبينما فرعون في غمرات الموت إذ قال:"آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل"، فنزل جبريل من السماء وظل يحشو في فمه زبد البحر حتى مات كي لا ينطق بها فيقبلها الله، وأنقذ الله موسى وقومه في يوم عاشوراء الذي اتخذته اليهود عيدا عندهم.
وبعد أن أنقذ الله موسى وقومه من الغرق ذهبوا في طريق الصحراء إلى فلسطين وكان لموسى ميعاد مع ربه أن يكلمه وكانت الفترة أربعين يوما، وقبل أن يذهب أوصى أخاه هارون بقومه وأن يخلفه فيهم، ولما ذهب موسى كان هنالك رجل يدعى السامري لا نعلم من أين جاء وما أصله لكنه رجل ضال أغوى بني إسرائيل وجعلهم يعبدون عجلا صنعه من الذهب الذي حملته نساء بني إسرائيل من مصر قبل أن يهربوا عبر البحر.
فجاءهم السامري وكان قد رأى فرس الملائكة وهي تغرق فرعون، فقبض قبضة من أثرهم ثم نثرها على العجل فأصدر صوتا يشبه الخوار وقال لهم هذا إلهكم وإله موسى، حينها قال لهم هارون بأن يتقوا الله كيف لهم يكفرون به، وهو الذي تفضل عليهم ونجاهم من فرعون وجيشه، لكنهم مع هذا استمروا وكادوا يقتلون هارون -عليه السلام- وأخذوا يطوفون حول هذا العجل ويعبدونه حتى غضب الله عليهم.
فجاءهم موسى غضبان أسفا يقرع أخاه هارون ويمسك لحيته، فأخبره بأنهم كانوا يريدون قتله فرمى موسى الألواح، والتي هي ألواح التوراة من الله عز وجل لهم فتكسرت الألواح، ثم ذهب إلى السامري فلما سأله أجابه السامري: " قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي"، فأنظره موسى وتركه على تعرف ما هو عليه، وقال له بأن لك موعدا لن تخلفه وأخذ هذا العجل الجسد فطرحه في النار ثم رمى ما بقى منه في البحر، ثم بعد ذلك قضى الله على بني إسرائيل بأن يتقل بعضه بعضا حتى يقبل توبتهم كما ورد في سورة البقرة: "وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم"، فأخرجوا السيوف وقتل بعضهم بعضا.
ثم تفضل الله مرة أخرى على بني إسرائيل بأن أحياهم بعد أن أماتهم وظلل عليهم الغمام حتى لا تقوم الشمس بتحليل أجسادهم، ويقال بأن اليهود إلى اليوم يجدون لأجسادهم رائحة العفن التي يتعرض لها الميت، وبعد ذلك أحياهم الله عز وجل وأنزل عليهم المن والسلوى، وهي أنواع من الطيور السمينة فأكلوا منها حتى شبعوا، ثم طلبوا من موسى البقل والزرع وكانت اليهود أهل زرع وبقل، فقال لهم موسى أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير وكان أن أعطاهم الله ما طلبوه.
لكنهم بعد ذلك زادوا في غوايتهم وضلالهم وكفرهم وجحودهم، وما ضربه الله عليهم بالمذلة والمهانة، وما قضى عليهم بالتيه في صحراء سيناء لمدة أربعين عاما خلالها انقسم شعب بني إسرائيل إلى اثني عشر سبطا، وكل سبط كان يقيم فيما يشبه القرية وكانت قرى متجاورة، وما فجره الله لهم بعد ذلك من اثنتي عشرة عينا من الماء بعد أن أصابهم العطش الشديد في صحراء كبيرة لا ماء فيها أو حياة، وقصة رفع الطور أمامهم والآيات الكثيرة بعد ذلك، فأنزل الله غضبه على بني إسرائيل إلى قيام الساعة.
أما موسى عليه السلام فقد مات أخوه هارون فبكى خشية عليه، فأوحى الله إليه أني رحمتهم وهم فوق الأرض فكيف لا أرحمهم وهم في جوفها، وما حدث بعد ذلك وهو موت موسى -عليه السلام- حيث جاءه ملك الموت وما أمره به بالحفر قبرا بقبر، ثم سأل ملك الموت لمن هذا القبر، فأجابه: لك، فبكى وخاف ثم قال بعدها لملك الموت بأن يقوم بسحب روحه فسحبها، وغسلته الملائكة وصلوا عليه ودفنوه، بينما ظل حال بني إسرائيل على تعرف ما هو عليه.