الاستخارة
من طبيعة الحياة البشرية وسنن الله سبحانه وتعالى في الكون أن الإنسان يحتار في اتخاذ قراراته مرارا في حياته، وتراه أمام المواقف الصعبة يقف مليا يفكر في اختيار الطريق الأنسب التي يمكن أن يسلكها في سبيل تحقيق أهدافه أو إنجاز أعماله، وإن هذه التردد وهذه الحيرة مردها إلى حقيقة أن الغيب لله سبحانه وتعالى وحده ولا يطلع عليه أحد.
لو جاز للإنسان أن يعلم الغيب لما احتار في أمره ولما تعرض لكثير من النكبات والحيرة والهم والحزن، ولكن لا يجوز ذلك إلا لرب العالمين الذي اختص بعلم الغيب وحده، قال تعالى (قل لا أملك لنفسي نفعا أو ضرا إلا ماشاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون).
الاستخارة تبطل عادات الجاهلية
جاءت الشريعة الإسلامية بنورها الذي أشرقت له الظلمات، فمحت الشرك والضلالة التي كانت منتشرة أيام الجاهلية الأولى، ووضعت كل معاني الجاهلية وضلالاتها تحت أقدام المؤمنين، ومن بين تلك المعتقدات الباطلة التي كان العرب يعتقدونها في الجاهلية الطيرة أو التطير فقد كانوا يتشاءمون من أمور معينة، فإذا رأوا على سبيل المثال نجما في موقع معين في السماء تطيروا بذلك، وقد كانت من عاداتهم أنهم حينما كانوا يخرجون في سفر يقومون بزجر طير حتى تحلق في السماء، ثم ينظرون في حالها فإن اتجهت شمالا تشاءموا بذلك وعدلوا عن سفرهم وإتمام أمرهم، وإن وجدوا الطير اتجت يمينا تفاءلوا بذلك وأتموا سفرهم، فجاءت الشريعة الإسلامية لتبطل ذلك كله فلا طيرة ولا تشاؤم من أمر وإنما توكل على الله تعالى بعد أن يعقل الإنسان الأمر ويأخذ بما هى اسباب النجاح .
طريقة الإستخارة
أرشدتنا الشريعة الغراء إلى السبيل الذي ينجي المسلم من الحيرة ويخرجه من دائرتها الضيقة إلى رحاب التوكل والعزم، وقد دلنا النبي عليه الصلاة والسلام إلى سنة نبوية شريفة سار عليها الصحابة من بعده وهي سنة صلاة الاستخارة التي تندب عندما يحتار المسلم في أمر معين، حيث يقوم بأداء ركعتين من غير الفريضة وبعد الانتهاء منها يقول الدعاء التالي: (اللهم إني أستخيرك بعلمك واستقدرتك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تعلم ولا أعلم وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر ويسميه خير لي في ديني ودنياي وعاجل أمرى وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر ويسميه شر لي في دنياي وعاجل آمره وآجله فاصرفه عنه وأصرفني عنه ثم قدر لي الخير حيث كان ثم رضني به).
ننوه إلى أن هدي النبي عليه الصلاة والسلام في الاستخارة كان في كل شيء من أمور الحياة؛ لذلك يجي على المسلم ألا يتكاسل عن استخارة الله تعالى حتى في الأمور التي يظن أنها بسيطة؛ فقد كان السلف الصالح يستخير الله في كل شيء، وفي الأثر فليستخير الإنسان ربه حتى في شسع نعله .