بين النبي صلى الله عليه و سلم حقيقة التقوى حين أشار يوما إلى صدره بقوله التقوى هاهنا ثلاث مرات ، فالتقوى إذن محلها القلب و إن تعلقت بالأفعال و الأقوال ، ذلك بأن الإنسان قد يصدر عنه أمور ظاهرها حسن و لكن لا يلزم أن يكون المحرك لهذه الأفعال هو التقوى في قلب الإنسان ، فقد يفعل الإنسان العمل الصالح ليرائي به الناس و ليقال انظروا إلى فعل فلان ، و لا شك بأن الرياء هنا يحبط العمل و يضيع أجره ، لذلك فالعمل الصالح يجب أن يخرج من قلب سليم تقي نقي ، تكون نية الإنسان حين يعمله رضوان الله تعالى و احتساب الأجر منه وحده ، و قد عرف الإمام علي ابن أبي طالب رضي الله عنه التقوى تعريفا بليغا محكما حين قال ، إن التقوى هي الخوف من الجليل ، و العمل بالتنزيل ، و الرضا بالقليل ، و الاستعداد ليوم الرحيل ، فهذه علامات و دلائل المسلم التقي ، فهو يخشى الله تعالى و يستشعر مراقبته في السر و العلن ، و هو يقرأ كتاب الله تعالى و لا يمر عليه مرور الكرام و إنما يتعلم علمه و يعمل به ، كما أن التقي هو إنسان قنوع راض بما كتبه الله تعالى له ، وزاده في هذه الحياة الدنيا إيمانه بالله و تقواه ، كما ينظر المسلم التقي إلى هذه الحياة الدنيا كأنها رحلة عابرة و أنها دار ممر و ليست بدار المستقر ، و لا يتعلق قلبه بها ، بل يرنو بعمله فيها و اجتهاده إلى الدار الآخرة و رضا الله تعالى و نعيمه .
و لكي تتوافر في المسلم صفات التقوى و الصلاح ، عليه ابتداء أن ينظر إلى حال قلبه فإن وجده متعلقا بالله متعففا عما في أيدي الناس ، همه في الحياة نيل رضا الله تعالى فهو إنسان تقي بلا شك ، و إذا كان المسلم مبتعدا عن الفواحش يستشعر مراقبة الله في كل أحواله فهو مسلم تقي ، و كذلك من علامات و دلائل التقوى الاجتهاد في الطاعات و العبادة ، فالمسلم التقي يغتنم وقت فراغه فيما يرضي الله تعالى ، كما يتحين الفرص التي أتاحها الله لعباده لكسب الحسنات كشهر رمضان و ليلة القدر ، و صيام الأيام التي حث نبينا عليه الصلاة و السلام على صيامها كيوم عرفة و عاشوراء ، جعلنا الله جميعا من عباده المتقين .