من أصعب الأمور التي يتعرّض لها النّاس في الحياة مسألة اختيار الصّديق، فالصّديق حقيقة عملة نادرة في وقتنا الحاضر؛ بل إنّ الصّديق أصبح كنزًا لا يظفر به إلّا من سعى في سبيل الوصول إليه مجتازًا القفار والبوادي ومتعرّضًا في سبيل لذلك لكثيرٍ من الكدّ والتّعب، وكما قال الشاعر: "وما أكثر الخلاّن حين تعدّهم، ولكنهم في النّائبات قليل".
وإنّ حاجة الإنسان للصّديق تنبع من كونه هو الرّفيق الذي يستطيع الإنسان أن يبوح إليه بأسراره ويتشارك معه الهموم والمشاكل، كما أنّ الصّديق هو الإنسان الذي تجده دائمًا أمامك ومن خلفك يقف إلى جانب يسندك في الملمّات والكربات، ويسعى بشتى الوسائل لبثّ السّعادة والفرح في قلبك، فالصّديق كصفة تأتي من الصّدق، فصديقك هو من صدقك وصدّق ظنّك فيه.
والحقيقة أنّ مسألة اختيار الأصدقاء هي مسألة صعبة للغاية، وذلك بسبب قلّة الأصدقاء الحقيقييّن إلى جانب أنّ النّفس الإنسانية قد تتجمّل في أحيانٍ كثيرة أو قد تتغيّر بتغيّر الظروف والمصالح، وحتّى يتمكّن الإنسان من اختيار أصدقائه عليه بما يلي.
كيف يختار الإنسان الأصدقاء
- أن يالبحث عن الإنسان الذي يحمل الأخلاق الكريمة ويتمثّلها واقعًا في حياته؛ فالصّديق الحقيقي للإنسان تراه عنده أخلاق حسنة كثيرة من كرم وشجاعة وصدق ومروءة ونخوة وتواضع وعفو وتسامح، كما أنّ الصّديق الحقيقي هو الإنسان الذي تراه يعتمد على عددٍ من القيم كمرجع له في حياته وكحكم على أفعاله وأقواله، ومن كانت له مثل صفات الثّبات هذه لا شكّ بأنّه يكون ثابتًا في صداقاته مع النّاس، لا يتلوّن بحسب المواقف ولا يتغيّر بحسب المصالح، ولا تبدّله الظّروف والأحوال.
- أن يالبحث عن الإنسان الذي يحمل مخافة الله في قلبه؛ فالمخافة من الله في قلب الإنسان تجعله لا يفعل شيئًا يغضب الله تعالى، فلا يغدر مع النّاس لعلمه بأنّ الغدر حرام وإثم كبير، ولا يكذب مع النّاس لعلمه أنّ الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النّار.
- أن يختبر الإنسان من يسعى لصداقته، فالاختبار والامتحان هو خير وسيلة يتمكّن الإنسان من خلالها من معرفة النّاس على حقيقتهم، ومثال على ذلك أن تجعل هذا الشّخص في موقف تتعرّض فيه للسّبّ أو الاعتداء لترى كيف يتصرّف حيال ذلك وبأيّ أخلاق سيتعامل، وهل سيحمل معاني التّضحية والفداء في المواقف التي تكون مظنّة ذلك أم سوف يحمل معاني الجبن والتّخاذل.
- أخيرًا على الإنسان أن يسعى لتثبيت صداقاته مع النّاس والحفاظ عليها، حتّى لا تضيع عليه فرصة الحصول على الصّديق الحقيقي.