مقدمة
عانت الأمة العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين من مخاطر كبيرة وضخمة من قبل أعداء هذه الأمة من خطر التقسيم الذي شرذمها إلى دويلات صغيرة غير قادرة على إدارة شؤونها الداخلية فضلاً عن الخارجية، مما أسهم بدمارها شيئاً فشيئاً على كافة المستويات والصعد، مما جعل هذه الدول عرضة للأطماع الخارجية الكبيرة الأمر الذي أدى إلى احتلالها من قبل القوى الاستعمارية آنذاك، حيث عانت هذه الدول من هؤلاء المستعمرين فحوصرت وقتل أهلها وتفرق أبناؤها وأصبحت دولاً في مهب الريح، وعانت إلى أن نالت استقلالها، وحتى بعد أن خرجت هذه الدول من الأراضي العربية لم تتركها وشأنها، فظلت تتدخل في شؤونها الداخلية وتشن الهجمات والحروب عليها وظلت تتحكم فيها وبمستقبلها عن طريق عينها الساهرة " الكيان الصهيوني "، إلى أن وصلت الأمة إلى ما وصلت إليه اليوم.
وعد بلفور
تطلق تسمية وعد بلفور على الرسالة التي قام المدعو " آرثر جيمس بلفور " بإرسالها إلى " ليونيل دي روتشيلد " والذي أخبره فيها أن الحكومة البريطانية تدعم وبشدة إنشاء وطن لليهود في الأراضي العربية الفلسطينية. وكانت هذه الرسالة في العالم 1917 من الميلاد، أي في بدايات القرن العشرين. في الوقت الذي صدر فيه هذا الوعد المشؤوم لم يكن اليهود في فلسطين بتلك النسبة العالية، فكان تعدادهم لا يتجاوز الـ 5 % من إجمالي سكان فلسطين في ذاك الوقت. وكل هذه الأعداد التي نراها في يومنا هذا على أرضنا هم ممن أسقطتهم دولهم فلم يجدوا مكاناَ ليسقطوا عليه سوى أرضنا. يطلق على وعد بلفور المشؤوم " وعد من لا يملك لمن لا يستحق ".
يعطي وعد بلفور فلسطين على طبق من ذهب إلى الصهاينة المغتصبين، كهدية مقدمة من بريطانيا إلى الصهاينة، فهو لم يقم بالاعتراف بهم كلاجئين بل كمواطنين في بلدهم وموطنهم الأصلي، على أن لا تتضرر مصالح الطوائف والديانات الأخرى المقيمة على الأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى أن الوعد يضمن عدم تضرر مصالح اليهود المقيمين في الدول الأخرى والذين لا يرغبون في المشاركة في هذا العمل الدنيء. والحقيقة أن هاتين الجملتين قد وضعتا لتجميل الوعد وجعل الآخرين يتفبلونه بصورة احسن وأفضل مما لو تكونا موجودتين.
يعتبر وعد بلفور من أقذر ما شهده العصر الحالي بالنسبة للعرب، فالبريطانيين لم يكونوا حريصين على اليهود الصهاينة ولا قلقين على راحتهم، وإنما لتأسيس الكيان الصهيوني في المنطقة أبعاد أكبر من ذلك، يعرفها من وعد ويعرفها الموعود، وهو تدمير الأمة كلها.
