لقد خلق الله الإنسان، وجعل له أجل لا ريب فيه، لاقيه لا محاله كما قال المولى عز وجل:" فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونْ" ولأجل ذلك وجب عليه أن يكون كيّساً فطناً لهذه الحقيقة في أنّ الحياة الدنيا تعرف على ما هى إلا حلم يراود نائماً وعما قليل سيصحو، وحين يصحو سيكون الوقت قد فات، وحينها هيهات ينفع الندم.
الموت والوفاة
جاءت الآيات القرآنية الكثيرة التي تحدثت عن الموت والوفاة والي من خلالها تبين لنا الفرق بينهما: الموت: هو خروج روح الكائن الحي سواء كان إنساناً أو حيواناً أو نباتاً، فكل كائن حي في هذه الأرض له روح تنتزع فتخرج، ويتوقف بخروجها عنصر الحياة فيه لينتهي الأجل.
أما الوفاة: فهي توقف عمل الإنسان، ويكفُّ الملائكة الحفظة عن كتابة سجله فيطوى عمله، وتغلق أبوابه التي في السماء تلك التي ينزل منها رزقه ويرفع إلى الله عمله، أما ما روي عن سيدنا عيسى عليه السلام حين توفاه الله قبض للروح بصفة خاصة دون وقوع الموت.
الفرق بين الموت والوفاة
من الفروق بين الموت والوفاة أنّ الموت يقع مرة واحدة وهي بخروج الروح دون عودة، أمّا الوفاة فهي أعم من الموت فهناك الوفاة المؤقتة "الصغرى" والتي هي النوم، فإن نام الإنسان خرجت روحه من جسده إلى أجل مسمّى فإن كتب لها العودة عادت وإلأ فارقت جسدها ورحلت عنه للأبد مصداقاً لقوله تعالى: "اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَ?لِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"، وخلال ذلك يكفُّ القلم عن الكتابة حتى تعود الروح فيبدأ من جديد الكتابة وهذه هي الوفاة الصغرى، أمّا الموت فيتم بخروج الروح بلا عودة وحينها يتوقّف القلم وينتهي العمل، ومنها: أنّ الموت هو للكائنات جميعها، بينما الوفاة للثقلين وحدهما من إنس وجان دون غيرهما؛ لأنها لا تقع إلا على من هو مكلف عاقل مسؤول.
الفرق بين المتوفى والميت
هذه حقيقة مهمة تناولها العلماء وأخذوها بعين الاعتبار، هل من توفي فمات هو نفسه من مات وتوفي؟ أم أنهما يختلفان، هذا وقد وجد العلماء أن من توفي فهو ميت غير أنّه ليس كل ميّت متوفى، وإن كان بموته ينقطع عمله وتطوى صحيفته لكن هنالك بعض الحالات التي لا تتوفى ويظل القلم يجري لها إلى يوم القيامة، هذا الأمر بينته أحاديث النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال: " إذا مات ابن آدم نقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية و يعلم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له "، وهنا يتبين لنا جلياً أن هنالك الذين استمرت أجورهم تكتب في موازين أعمالهم حتى وإن قُبضوا وفارقوا الحياة الدنيا، فالصدقة الجارية يجري القلم بها طالتعرف على ما هى باقية ينتفع منها أصحابها، والعلم الذي ينتفع به يستمر أجره مادامت الناس تستفيد منه، كذلك الولد الصالح هو ذخر لوالديه من بعدهما، دعاؤه جزء من بره لهما الذي يصلهما في قبورهما، وليس هذا فحسب فهنالك أيضاً المرابط في سبيل الله الذي ينمّى له عمله إلى يوم القيامة كما في الحديث: " كلُّ ميِّتٍ يُختمُ على عملِه إلَّا المرابطَ في سبيلِ اللهِ فإنَّه يُنمَّى له عملُه إلى يومِ القيامةِ، ويؤمنُ من فتنةِ القبرِ" (رواه أبو داود والترمذي)، وهكذا رأينا أنّ المرابط في سبيل الله كذلك يظل عمله ينمو جزاءً من ربه على ما قدّم وضحّى في حياته الدنيا.
الموت والوفاة كلاهما سيكونان تذكرة عبور إلى محطتك الأخيرة التي ستقيم بها ماشاء الله حتى يأذن الله بيوم القيامة، ستطوى صحافنا وتنتهي أعمارنا ولا يدوم لنا ولا يثبت إلا ما قدمنا فإن خيراً فخيراً وإن شراً فما بعده أشر منه، وترفع الصحائف لتعرض أمام العباد في يوم كثير الشهود عليك، وحينها ستعرض أعمالك عليك وتدرك كم سوّفت وضعيت وفرطت، كم هي الذنوب التي بقيت وما محيت باستغفار أو بتوبة، وقتها ستتمنى لو تعود للدنيا لعلك تعمل، ومازلنا في هذه الفسحة والباب أمامنا مازال مفتوحاً فلنعقل.