يتوجب قبل الحديث عن " ما بعد البنوية " التطرق ووسائل قليلاً إلى ما يعرف بين المفكرين بـ " البنوية "، فالبنيوية هي طريقة متبعة في البحث العلمي، حيث تهتم البنوية بدراسة البنى المكونة للأشياء والعلاقات بينها والتي من خلال هذه الدراسة يستطيع المفكر أن يصل إلى تحليل مقنع للظواهر والتطورات المتعلقة بالبشر، ومن هنا فالبنوية تعتمد على عناصر كاللغة والثقافة السائدة والعقليات المنتشرة في المجتمع والأفكار في تعاطيها ودراستها وتحليلها لهذه العناصر وربطها مع بعضها البعض لتفسير ودراسة الإنسان من كافة جوانبه.
من علم النفس كان ظهور مفهوم وتعريف ومعنى البنوية، حيث أنها ظهرت كفكرة في بدايات القرن التاسع عشر، لكنها انتشرت وتوسعت بشكل كبير في القرن العشرين وتحديداً في منتصفه، مما أسهم في تغلغلها الكبير كمنهج بحثي وطريقة للتفسير في كافة العلوم والمعارف والأفكار، فأصبح الاعتماد عليها كبير خلال الدراسة والتحليل.
أدى الاعتماد الكبير على مفهوم وتعريف ومعنى البنوية إلى العمل على تفكك العلوم وتفرعها إلى علوم جزئية، فكل شئ كبير أصبح منه تفرعات كثيرة، وأصبحت هذه التفرعات علوماً قائمة بذاتها منفصلة إلى حد بعيد عن باقي العلوم، ولا غرابة من انتشار هذه الفكرة في هذا الوقت تحديداً من القرن العشري، ففي هذا الوقت كان هناك استخدام واسع ونشط وتهديدات نووية وذرية، والذرة هي أصغر جزء في عنصر، ومن هنا لاقت هذه الفكرة الانتشار الواسع والتأثر الكبير بالمفهوم وتعريف ومعنى الذري للأشياء، مما ولد شعوراً عاماً بالانفصال، فالناس بطبيعتهم ميالون إلى الوحدة، ويرغبون بالنظر نظرة عامة إلى المفاهيم، فخرجت جماعات وأصوات تؤيد فكرة توحيد التخصصات والتفرعات مرة أخرى، لإعادة تفسير الكون مرة أخرى.
أما مفهوم وتعريف ومعنى " ما بعد البنوية " فقد خرج كرد فعل على مفهوم وتعريف ومعنى البنوية نفسه، حيث إن الأكاديميون استطاعوا تطوير هذا المفهوم وتعريف ومعنى ليستخدم في الدلالة والإشارة إلى انعدام التجانس والترابط بين الأفكار التي كانت مطروحة في تلك الأوقات، حيث استطاعت " ما بعد البنوية " نفي إمكانية إجراء الدراسات المعمقة والتي تفسر الظواهر المتعلقة بالإنسان عن طريق دراسة البنى المكونة كاللغة والثقافة ودعت إلى استخدام التطور التاريخي، كما ولاقت " ما بعد البنوية " العديد من الانتقادات اللاذعة بسبب استخدام المنظرين لها لمفردات معقة بعيدة عن المعايير العلمية المتبعة، كما لاقت انتقادات على تسميتها، كما أن من يعدون من منظرين " ما بعد البنوية " اختلفوا في أسلوب النقد المتبع للبنوية على الرغم من اتفاقهم على المبادئ والخطوط الرئيسية.