العبادات
هناك العديدُ من النّعم التي يجبُ أن نَحمدَ اللهَ عليها، ومن هذه النّعم العبادات غير المفروضةِ؛ لأنّها الوسيلةُ التي تُقرّبنا من اللهِ عزَّ وجلَّ، وتُعطينا الفرصةَ لنيلِ أعظمِ الأجرِ والثّواب، ومن أمثلةِ ذلك الاستغفار وقيام اللّيل؛ فعلى الرّغم من أنّهما عبادتان مختلفتان، إلّا أنّه يجوزُ الجمعَ بينهما. سنشرح في هذا المقال فضل كُلٍّ منهما، وما لهما من أثرٍ على المُسلمِ في الحياتين: الدُّنيا والآخرة.
فضلُ قيامِ اللّيل
أجمعَ عُلماء الدّين على أنَّ قيامَ اللّيلِ هي سُنّةٌ مُؤكّدةٌ، فقد كان الرّسول - صلّى اللهُ عليه وسلم - يُقيمُ اللّيل يومياً، ممّا يدُلُّ على عظيمِ شأنِ هذه العبادةِ، فعندما يقومُ المُسلمُ من نومِه كي يُناجيَ ربَّه ويتركُ الوقتَ الذي ينامُ فيه ويُريحُ جسده من تعبِ الأعمالِ، فإنَّ اللهَ سيُجازيه في الدُّنيا، وعلى عكسِ ما قد يعتقدُهُ البعضُ أنَّ في هذا العملِ تعباً أو إرهاقاً، فإنَّ التّجاربَ الواقعيّة التي مرَّ بها العديدُ من المُسلمين وجدوا من خلالها أنَّ الانتظامَ على قيامِ اللّيلِ يُريحُ الجسدَ ويجعلُه يقِظاً ونشيطاً طوالَ النّهار، فالأوْلى بالمُسلمِ أن يُقيمَ ثلثَ اللّيلِ أو نصفَه، أو أن يُصلّيَ أربعَ ركعاتٍ قبلَ صلاةِ الفجرِ، ولكل مُدّةٍ يُقيمُ بها المُسلمُ اللّيلَ درجةً، وبالطّبعِ، يختلفُ ثوابُ المُسلمِ حسبَ عددِ الرّكعاتِ التي يُصلّيها يومياً.
قيامُ اللّيل بمثابةِ مناجاةٍ للهِ تعالى، يشكو فيها المُسلمُ همومَه لربِّه، ويدعوه بما يشاءُ؛ فهو في هذه اللّحظةِ بين يدي اللهِ، يستطيعُ أن يُكلِّمَ ربَّه، وليس بالضّرورةِ أن يكونَ سببُ المُناجاةِ هي الشّكوى ممّا يُعانيه المُسلمُ من متاعِبَ؛ بل هناك من يحمَدُ اللهَ على نِعَمِهِ ويَتقرّبُ إليه بهذه العبادةِ العظيمةِ.
فضلُ الاستغفارِ
الاستغفار ليسَ مُحدّداً بوقتٍ مُعيّن، ويُمكنُ للمسلم أن يَمكُثَ اليومَ بأكملِه يستغفرُ اللهَ، ولكن إذا ما اجتمعَ الاستغفارُ مع وقتِ السَّحَرِ، أي الوقت الذي يُصلي فيه قيام اللّيل، فإنَّ الرّاحة التي سيشعُر بها المُسلمُ لا تُضاهَى. للاستغفارِ الكثير من النّعم؛ فهو يزيدُ الرّزقَ، ويزيدُ الذّريّة ويُبارك فيها، حتّى أنّه يُبارك في البلاد كُلّها إن كانت الأُمة تستغفرُ ربَّها بكثرةٍ؛ إذ إنّنا نقوم يوميّاً بارتكابِ الهَفَواتِ والذّنوب التي ربّما تكون دونَ قصدٍ، ولعلّ نعمةَ الاستغفارِ من أعظم النّعمِ التي تُمكّنُنا من مَحْوِ ذنوبِنا، ولكن يجب أن يكونَ الاستغفارُ نابعاً من القلبِ، مع اليقينِ بأنَّ اللهَ سيغفرُ لنا جميعَ ذنوبِنا.
قيامُ اللّيل والاستغفار في القرآنِ والسنّة
- قال تعالى: "تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ"، والمقصود هنا أنَّ المُسلمَ يتركُ فراشَه كي يقومَ لصلاةِ التّهجُّدِ، أي قيام اللّيل.
- قال تعالى: "كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ". في هذه الآية يصفُ اللهُ سبحانَه وتعالى عبادَه الذين يُقيمون اللّيلَ ويستغفرون اللهَ، حتّى يحينَ وقتُ السَّحَر، وهو الوقت الذي يسبِقُ صلاةَ الفجرِ بقليلٍ، وهذه دلالة على أنَّهم كانوا لا ينامون سوى مدةً قصيرةً من اللّيل.
- الاستغفار لا يقِلُّ ثوابَه عن قيامِ اللّيل، وقد ذكرت الكثيرُ من الآياتِ فضلَ الاستغفارِ، ومنها قوله تعالى: "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ". وتُوضّح الآيةُ السّابقةُ أنَّ من كان كثيرَ الاستغفارِ فإنّه بعيدُ - بإذن اللهِ - عن نارِ جهنّم.
- في السُّنة النّبويّة العديدُ من الأحاديث الدّالة على فضلِ قيامِ اللّيلِ، ومنها قوله - صلّى الله عليهِ وسلّم - : "أفضلُ الصّلاةِ بعدَ الفريضةِ صلاةُ اللّيل "
- في فضلِ الاستغفارِ، قال -عليه الصّلاة والسّلام- : "من قالَ أستغفرُ اللهَ الذي لا إله إلّا هو الحيُّ القيّوم وأتوبُ إليه، غُفِرَ له وإن كان فَرَّ من الزّحفِ"، وفي الحديث دليلٌ واضحٌ على عِظمِ منزلةِ المُستغفرِ.