جعل الله سبحانه باب التّوبة مفتوحٌ دائماً ، فقد خلق الله الإنسان و جعل فيه نوازع الخير و الشّر و علم ضعفه و افتقاره إليه ، فرسم له الطّريق و المنهاج لكي لا يضلّ و أنزل رسله بالشّريعة الكاملة حجّة على البشر ، فالمسلم التّقيّ هو الذي تغلب عنده نوازع الخير شهوات نفسه ، فتراه يكبح رغباته و يطوّعها وفق منهاج ربّه و سنّة نبيّه عليه الصّلاة و السّلام ، و تراه إذا ضعف و ارتكب ذنباً لجأ إلى ربّه فاستغفره عن ذنبه و لم يصرّ عليه ، فيغفر الله له ذلك برحمته ، قال تعالى في وصف عباده المتّقين ( و الذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم و من يغفر الذنوب إلا الله ، و لم يصرّوا على ما فعلوا وهو يعلمون ) .
و قد بيّن الرّسول عليه الصّلاة و السّلام أنّ كلّ أمته معافى إلا المجاهرون الذين يجاهرون بالمعاصي ، فتراه بات و قد ستر الله ذنبه فيصبح ليعلن عن ذنبه للنّاس و يجاهر به ، و هذا أقبح الذّنب و دلالةٌ على الإمعان في المعصية و العياذ بالله .
و قد جعل الله للتّوبة من الذّنوب شروطٌ ، فعلى المذنب إذا أذنب أن يستغفر الله فالتّائب من الذّنب كمن لا ذنب له ، و الله جلّ و علا في الحديث الشّريف يتحدّث عن عباده المستغفرين من الذّنوب و هم يعلمون أنّ الله يغفرها لهم ، فيذنبون و يستغفرون ثم يذنبون و يستغفرون حتّى يقول الله علم عبدي أنّه له ربّا يغفر الذّنب ، فليفعل عبدي ما يشاء ، و هذه من عظمة الله و رحمته بعباده ، و إنّ من شروط التّوبة النّدم على الذّنب ، فالمسلم إذا ارتكب ذنباً ندم على ارتكابه و شعر بالذّنب في نفسه ، و من شروط التّوبة كذلك عدم الرّجوع إلى الذّنب و المعصية و التّحلل منها إذا كانت ضد أخيه المسلم كأن يسلبه حقه فعليه إرجاعه إليه ، فمتى ما تحقّقت تلك الشّروط صحّت توبة العبد و سمّيت توبةً نصوحاً ، فليس العيب أن يذنب الإنسان فكلّ ابن آدم خطّاء و خير الخطّائين التّوابين ، و عندما شكى الصّحابة لرسول الله الذّنوب قال لهم أنّكم لو لم تذنبون لأتي الله بأقوامٍ آخرين يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم ، صدق رسول الله .