تتوق الأنفس بين الحين و الآخر إلى التّحرر من ربقة المادة و تعب الحياة العصريّة و ضنكها و السّمو بها في مدارج الرّحمة و الكنف الرّباني حيث السّكينة و الطّمأنينة و القرار ، و المسلم فقيرٌ دوماً إلى ربّه و محتاجٌ إلى عنايته و حفظه في الليل و النّهار و قد جُعلت الصّلاة وهي قرّة عين المسلمين واجبةٌ عليهم على مدار يومهم يلوذ بها المسلم ليجدّد صلته بالله تعالى و يقويّها فتقرّ عينه و يسكن جنانه ، و إن المسلم لا يكتفي بالصّلاة المفروضة بل يسعى للاستزادة منها فيصلّى النّوافل طمعاً في مرضاة الله سبحانه ، و قد جعل الله للمسلم أوقاتاً تكون البركة و الرّحمة فيها أكبر و الفرص أعظم لتحصيل الحسنات و إجابة السّؤال و الحاجات ، كما ميّز الله أمكنة في الأرض عن غيرها فكان المسجد الحرام و المسجد الأقصى و كانت الصلاة فيها ليست كغيرها من الأماكن فقد ميّز الله أزمنةً عن غيرها فكان رمضان خير الشهور و كانت ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر ، و كذلك كان الثلث الأخير من الليلة احسن وأفضل وقتٍ للعبادة و النّوافل لأن الله سبحانه و تعالى يتنزّل في هذه الوقت كما ورد في الحديث الصّحيح لاستجابة الدّعاء و قضاء حاجات الخلق و هذا من فضل الله سبحانه و رحمته بعباده ، فلكل ملكٍ وقتٌ يخصّصه لأصحاب الحاجات في الدّنيا و الاستماع لشكاوي المظلومين و المتظلمين و إعطاء الهبات و لله المثل الأعلى فهو ملك الملوك سبحانه قد أكرم عباده بهذا الوقت من الليل و هو الثلث الأخير منه فالعبد الفطن الرّاجي رحمته تعالى يتحرّى هذا الوقت فيعدّ نفسه و يوقظ أهله و يشمّر عن ساعده للدّعاء و طلب الرّحمة و الاستغفار .
و إذا أراد المسلم أن يعرف تحديداً تعرف ما هو ثلث الليل الأخير ليتحّراه ، فإذا كان أذان المغرب في بلده مثلاً على السّاعة السّابعة و آذان الفجر على السّاعة الرّابعة ، تكون ساعات الليل و هي ما بعد صلاة المغرب الى الفجر تسع ساعاتٍ ، تقسّم على ثلاث فيكون ثلث الليل ثلاث ساعاتٍ فالثّلث الأخير في هذه الحالة يبدأ عند السّاعة الواحدة ليلاً إلى الفجر .
إقرأ أيضا : متى يكون الثلث الأخير من الليل
و قد حرص السّلف الصّالح على الثلث الأخير من الليل و عرفوا قدره فكانوا يقومون الليل يتهجدون فيه طمعاً في رحمة الله و فضله ، قال جلّ و علا : " وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى? أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا " صدق الله العظيم .
