الأعمال الصالحة هي دليل كبير جداً على ما في القلب من إحسان، وما يحمله هذا الإنسان الّذي تصدر عنه الأعمال الصالحة باختلاف أنواعها من أخلاق متعدّدة، يأخذ بعضها بمن صدرت عنه هذه الأخلاق بدرجاتٍ عظيمة إلى المعالي سواءً في الدنيا أم في الآخرة؛ فالإنسان هو الّذي من يقرّر كيف ستكون طبيعة الأعمال التي تصدر وتبدر عنه، فهذا الإنسان هو سيّد نفسه وهو سيّد أعماله، لهذا السّبب عليه هو نفسه أن يحدّد ماهية الأعمال التي ستصدر عنه وتبدر منه، وما إذا كانت هذه الأعمال ستعمل على رقيه أم أنّها مجرّد أعمال تافهة ستهبط به إلى أسفل السافلين.
مضار الانقطاع عن العمل الصالح
انقطاع الأعمال الصالحة عن الإنسان يكون لها أثران هامّان، الأثر الأوّل هو: أنّ الإنسان سيلقى الله وليس معه أيّ شيء حسن يُعلي من قيمته، وهذا الأثر هو أثر أخروي، أمّا الأثر الآخر فهو أثر دنيوي وهو اسوداد القلب؛ فالأعمال الصالحة هي من الوسائل الهامة الّتي تجعل القلب أبيضاً، فكلّما ازدادت الأعمال الصالحة عند الإنسان ارتفعت أخلاقه الحميدة والحسنة وازداد تلألؤاً.
لم يكن الإنسان يوماً ما إلّا شخصاً اجتماعياً، فهو خلق ليتعاون مع غيره، فالله تعالى لم يجعل إعمار الأرض إلّا بهذه الوسيلة فقط، ولكن التعاون لا يكون دون وجود قاعدة أخلاقيّة يتأسس عليها، لهذا السبب فنحن نجد أنّ الإنسان مُلزمُ دائماً وأبداً بالأخلاق الحسنة؛ لأنّ الأخلاق تخدم التعاون بين البشر وقد تكاد تكون الشرط الرئيسيّ لتحقيقه، مما سيعمل بشكل أو بآخر على تطوير حياة الإنسان وجعلها احسن وأفضل في كافّة المجالات وليس فقط في مجال واحد؛ بل في المجالات المتعدّدة والمختلفة الّتي تهمّ الإنسان وربّما أيضاً تشترك معه فيها كافّة المخلوقات الأخرى الّتي نقتسم نحن وإيّاها المعيشة على سطح الكرة الأرضية.
لمّا كانت الأخلاق الحميدة بهذه الأهميّة، كانت أيضاً هي الأهم عند الله تعالى، فمن المهم أن نؤدّي العبادات التي تقرّبنا من الله تعالى والّتي تزيد من رصيد حسناتنا إن أحسنّا التعامل معها، لكن الأهم من ذلك هو أن نعمل على تحسين ما في قلوبنا، فتحسين الأخلاق وتصفيتها هو أساس عمل الصّالحات، وهو مغزى العبادات أيضاً؛ فالعبادات تهدف إلى زيادة تواصل الإنسان مع ربّه لتحسين أعماله وصفاته وأخلاقه وتبييض وتفتيح سريرته وداخليّته. لهذا السبب فالعبادات هي وسيلة لتحصيل الأخلاق وتهذيب النفس والرّوح ممّا يعمل على رفعة الإنسان وإعلاء قيمته وقدره بين الناس وفي الآخرة.