مقدمة
الحب وما أدراك ما الحب، الحب والعشق، كلمتين لا يمكن تداولهما بكل سهولة، فعلى الرغم من جمال وقعّها في نفوس الناس، إلا أنه منهم ما يعانون مما يعانوه، وتبقي سر من أسرار القلوب، مغلفة بجوانح القلب، وفي غالب الأوقات لا تجد من يتحدث عن الحب وأسراره، فهي كلمة محظورة، فما بالك إن وقع الحب بين طرفين.
لكن! هنا نتساءل؛ لماذا نخجل في ذكر الحب وسيرته؟ هل نفقد فيها وقار الهيبة أم نكبت العواطف؟الغالبية العظمي في المجتمعات سواء أجنبية أو عربية، يستمعون للأغاني الرومانسية، ويتداولون القصائد الغزلية، إلا أننا نفتقد لفكرة المصارحة في الحب، بل إن المصارحة نفسها عليها خلافات كثيرة، سواء من جانب الشرع أو من جانب العادات والتقاليد، أو من جانب استغلال العاطفة للفتيات أكثر من الشباب.
يُعتبر الحديث في الحب، من ضمن الخوارج عن الحدود المعروفة، فالخوض في الحديث في هذا الموضوع ليس مانعاً شرعياً، وليس مانعاً من العادات، بل أنه توهم الخوف في التطرق ووسائل له، باعتباره مرتبط بالرذيلة، وما يتبعها من خنا وزنا، ولكن هذا الأمر خاطئ، فالحب أشرف وأطهر من أن ندسه كسم بين هذه الرذائل.
عزيزي القارئ، سنخوض في هذا المقال، عن معني الحب الحقيقي، وما وجهة نظر الشرع فيه، كما وأنه سنتكلم عنه ضمن العادات والتقاليد، وختاماً كيف ستصارح بحبك؟
ماهية الحب الحقيقي
يعتبر الحب والعشق من أساسيات الحياة، فهي تمثل اللُّحْمَة التي تربط فيما بين الناس عامةً، وليس فقط بين الأحبة، والدافع للحفاظ عن الشرف والعِرْض.
فالحب هو ذلك الإحساس النابع من قلب صادق اتجاه حبيبه، وهو الشعور الخفي الذي يطرق ووسائل باب القلب، ويتجول بأهوائه في كل مكان وفي كل بقاع الكون، فكلنا سواسية في الالبحث عن الحب، لا يفرق بين أبيضٍ وأسود، ولا يفرق بين أجنبي وعربي، فالحب هبة من الله عز وجل، زرعه لتبقي الحياة مكتملة بالمودة والمحبة بين الناس.
حقيقة الحب
الحب يعني الوداد، وهذا يعني ميل القلب لشخص ما، فالحب من أعمال القلب، وليس من أعمال ظاهرية، حيث أن الزواج نفسه قائم على الحب، فبدونه سيكون زواج فاشل فكثير من الحالات، وقد يكون زواج غير سيعد ومفيد للطرفين، فالزواج قائم على المحبة والمودة بين الطرفين.
وتعتبر النظرة هي مفتاح الحب، فحث الرسول على النظر للمخطوبة من قبل الخاطب، وفي حديث للرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، بموضوع المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، أنه حينما تقدم لخطبة امرأة، قال له الرسول (صلى الله عليه وسلم): "هل نظرت إليها؟" فقال: لا، قال: "فانظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما"، والمقصود بالأدم هنا الألفة والمحبة والاتفاق.
الحب ما بين الحبيب ومحبوبه
نعلم كثيراً، بأن هناك من يحبون ولكن لا يعترفون، وبهذا يخسرون المحبوب، وكثيراً من الشباب والشابات يتحاشون التحدث أو التعبير عن الحب الذي يخالج قلوبهم، باعتباره حرام، فالبعض يشعر باتجاهه ذنب باقترافه، فيعتقدون أنهم على معصية، وأنهم ارتكبوا ذنباً وإثماً عظيماً في ميل القلب للغير أو الطرف الآخر بما معناه.
في حقيقة الأمر، إن من يعتقد بأن الحب مجرد معصية أو خطيئة يرتكبها الشخص، فهو ينظر للعلاقة من زاوية الفساد والفاسدين والفاسدات، بحيث يقيمون علاقات غير شرعية وهمية باسم الحب، كالمجالسة والرقص والشرب وينتهي الأمر بهم بالزنا، فاعتقد الكثير بأن الحب هو مزمار شيطان، وهو لا يصلح إلا لهذا الشيء.
لكن في الواقع، فإن الحب الحقيقي اختلف تماماً عما ذكرناه سابقاً، فالحب الطاهر والعفيف هو ميل الطرفين لبعض، فهو شهوة قد زيّن الله تعالي حبها للناس، حيث جعل ما في الشهوات، ما يستميل القلب لها، فقال الله عز وجل: " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ" (آل عمران: الآية 14).
ولأن الله قد زين تلك الشهوات للإنسان، فإن الناس تحبها حباً جماً، وأكد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في حديثه الشريف، حيث قال: " إنما حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة"، فلولا الحب بين الطرفين لما كان هناك زواج وأسرة وذرية صالحة.
لكن الله عز وجل لم يحلل ولم يقبل ولن يقبل الحب الحرام، فلا يقبل لعباده نشأة علاقة محرمة بين الطرفين، فزيّنها بالزواج .لذلك يجب أن يتجنب الحبيب ومحبوبه، كل الأفكار الشيطانية، وأن يتعففوا بالحب الطاهر والذي يبتعد كل البعد عن الفجور والعلاقات غير الشرعية، ويصارح بحبه ويتقدم خطوة أولي من طرق وخطوات الارتباط الرسمي المتعارف عليه في المجتمعات.
فعلينا أن نعلم جيداً أن الحب هو من أعمال القلب، وليست من أعمال الإنسان، فهو ليس بحرام، ولكن الحرام يكمن في طريقة إجراء علاقة الحب بين الطرفين، وهذه العملية هي التي سيحاسب عليها الإنسان.
فالحب والعشق لو كان مع التعفف والتكتم، وإجراء فكرة الارتباط ليتكلل الحب بالزواج الذي حلّه الله لنا، فإذن توكل على الله واعقلها.
الحب والشرع
أن الشرع لا يخالف الحب الحلال الطاهر المتعفف والمكلل بالزواج الشرعي، وسبق أن ذكرنا فوق في أحاديث وآيات قرآنية تفيد رؤية الشرع في هذا الأمر، فلا يجب أن نحطم القلوب، ولكن علينا أن نتحاشى الحرام، ونلجأ للحلال.
الحب والمجتمع في كنف العادات والتقاليد
منذ القدم، لم يكن المجتمع يعترف بفكرة الحب، فكل شيء مرفوض رفضاً تاماً، ويربطون الحب بالشرف، إن أحبت الفتاة أو الشاب فيكون قد خرج عن طوع العادات، وأقترف ذنباً يجب المعاقبة عليه، وكل هذا يرجع لعدم فهم الحقيقة الدينية للحب، ومفهوم وتعريف ومعنى الحب المرتبط في عقولهم.
ويقع الكثير تحت طائلة آفة العادات والتقاليد المغرة في نفس الشخص، بحيث تجد من يقف عائقاً في وجه حب ابنه أو ابنته، وللأسف يا ليت المسألة تقف لكونها مجرد حب، بل إنما لعوائق أخرى، كرفض الفتاة أو الشاب، أو رغبة الأهل في زواج الأقارب، وغيرها.
ولكن أكبر الحرام، أن تمنع من اجتماع قلبين معاً في كنف بيت واحد في الحلال.
ومع ذلك بدأت الأجيال تتغير وتغير في آفة العادات والتقاليد السلبية والمحطمة للذات، وخرج الأبناء عن السيطرة، ليطالبوا بحقوق الحب، والرغبة في الزواج من المحبوب، كما وأن كل شيء أصبح سهل، ولا ننسي أن الحب قد بدأ يصل لأطراف خارج الوطن، فالتطور الهائل لوسائل الاتصال والتكنولوجيا، جعل من الصعب والمستحيل سهل، والموقف لا للمستحيل.
كيف تصارح بحبك
هنا البداية مع الحب، فبعد أن يميل القلب للإنسان المرغوب، تجد الصعوبة في المصارحة، وتكمن المشكلة في طريقة الخوض في المصارحة للحبيب في المشاعر المدفونة والمغلغلة داخل القلب.
بصراحة القول، ليس من العيب أن نصارح في حبنا للطرف الآخر في حال شعرنا فيه، وفي حال إحساسنا برغبة الطرف الآخر.
ليس من السيء أن تصارح بحبك وأن تظهر إعجابك بالشخص الذي أمامك، وهذا الفعل لا يقلل من الكرامة، ولا ينقص من ميزان شخصيتك، لكن عليك أن تختار الشخص الذي يستحق هذه المصارحة، ويكون الأسلوب في طور الاحترام، فأنت الآن تختار شريك حياة لا يقف عند يوم ويومين، وإنما يقف لعمر بأكمله.
فمن الرائع أن يكون شريك حياتك الذي حلمت به، هو ذاته الشخص الذي صنعت في قلبك له من مشاعر ورغبات جامحة للحصول عليه.