يغتر عددٌ من النّاس والأقوام عبر التّاريخ بقوّتهم، وأموالهم، وجاههم، ويستعلون بهذه الأموال والجاه على النّاس، فتراهم يتكبّرون في الأرض ويتجبّرون، ومنهم من يحمله ذلك على أن يعتدي على النّاس وأموالهم بالغصب والسّرقة مستغلًّا السّلطة التي تكون بيده، وقد ضرب الله في كتابه الكريم أمثلةً كثيرةً لمن بغى في الأرض وتجبّر بما آتاه الله تعالى من المال والجاه، فقد استكبر قوم عاد وظنّوا أنّهم هم الأقوى على وجه البسيطة وقتئذ، ولكن ما دروا أنّ الله تعالى الذي خلقهم هو أشدّ منهم قوة وبطشًا، فاستكبروا في الأرض وكانت عاقبتهم عملهم خسرانًا وهلاكًا في الدّنيا والآخرة، ومن بين هؤلاء الباغين في الأرض قارون الذي ذكره الله تعالى في كتابه الكريم في جملة من طغى في الأرض، فما قصّة قارون ؟، وأين سكن في البلاد ؟ .
كان قارون من قوم موسى عليه السّلام وهم بنو إسرائيل، وقد كان بنو إسرائيل في بداية الأمر في بلاد مصر حيث أذلّهم الفرعون وسامهم سوء العذاب، فكان يقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم، وتذكُر بعض الرّوايات أنّ قارون كان ابن عمّ موسى عليه السّلام وقيل عمّه، والقول الرّاجح أنّه ابن عم النّبي موسى، وقد ذكرت بعض الرّوايات أنّه كان وزير شؤون العبرانيّين في حكومة الفرعون، وقد استغل منصبه وعلاقته بالفرعون في بسط نفوذه بين قومه بني إسرائيل، بل قد حمله نفوذه على أن يجور عليهم في كثيرٍ من الأحيان وأن يبغي عليهم بالسّلطة التي منحه إياها الفرعون، وقد ذكره الله تعالى في كتابه العزيز إلى جانب فرعون ووزيره هامان حيث قال تعالى (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب)، ولقد آتاه الله تعالى من الأموال الكثير حتّى أنّ مفاتيح خزائنه كان يصعب حملها على الجماعة أولي القوّة، وقد كان قارون معتزًّا بأمواله وجاهه، حتّى اتخذ ثيابًا طويلةً يجرّ أذيالها على الأرض تكبّرًا واستعلاءً، وكان يخرج على قومه بكامل زينته معلّلاً الحال الذي وصل إليها بما عنده من العلم والقرب من الله تعالى، وقد نصحه قومه كثيرًا ولكنّه لم يستجب لنصيحتهم، ووعظوه وذكّروه بالله تعالى وأنّ ما عند الله هو خيرٌ وأبقى، فلم يستجب قارون لنصيحتهم حتّى جاء أمر الله تعالى فخسف الله تعالى به وبداره الأرض ولم تكن له فئةٌ ينصرونه من أمر الله، وفي الحديث أنّه ما يزال يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة.
