يأتي على الناس سنوات خداعات
روى يزيد بن هارون أنبأنا عبد الملك بن قدامة عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( سيأتي على الناس زمان سنوات خداعات : يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق , ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين , وينطق فيها الرويبضة . قيل يا رسول الله وما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافه ينطق في أمر العامة)) .
ان هذا الحديث فيه الأخبار عن أنه سيأتي على الناس زمان تفسد فيها الاخلاق , أخلاق الناس : يكذب الصادق , يخون الامين , يؤتمن الخائن , يصدق الكاذب , هذا منطق معكوس يصدق الكاذب ويكذب الصادق : يعني تكون الاحكام تدور مع الأهواء , وهذا كالتفسير والله أعلم لقوله في هذا الزمان : سنين اوسنوات خداعة, وصف الخداع هو وصف لأهل هذه السنين , وصف للناس كما نقول كما نقول : هذا الزمان كذب , زمن كذب وخيانة وظلم , فيضاف وصف الناس تارة الى المكان وتارة الى الزمان , لأن محال الزمان والمكان محال لأفعال الناس , محال للناس وأعمالهم وأقوالهم .
ويقول أيضآ في الحديث : ( وتنطق الرويبضة )
رويبضة لفظ مصغر رابضة الرويبض , فهذا تصغير للتحقير , الرويبضة وهو الرجل الفاسق , فسر فسره في الحديث : الرجل التافه الحقير القاصر العاجز الناقص , يتكلم في أمر الأمة في أمر العامة , وهذا من فساد أحوال الزمان أن يصدر ويتدخل في الأمور في قضايا الأمة الناقصون والقاصرون والجهال والتافهون , القضايا العامة هذه من شأن ذوي الحجى ذوي العقول , وذوي المدارك والآراء السديدة وأهل البصائر.
فهذه من صور وأحوال فساد الزمان , وهذه الأمور مدركة ومشاهدة وحاصلة فيما مضى وفي الحاضر وفيما يأتي , وهذه الأحاديث تشبه الأحاديث التي جاء فيها ذكر القرون المفضلة وأنه بعد تلك القرون تفسد الأحوال : في التعامل , في الشهادات , في الإيمان , في باب الصدق والكذب , تكثر الخيانات والكذب , ويرتفع الوضيع الحقير , ويهان مثلآ أشراف الناس والفضلاء: فضلاء الناس, كل هذه من مظاهر فساد الأحوال .