هو محمد بن ظفر بن عمير بن أبي شمر بن الأسود بن عبد الله الكندي، وكندة قبيلة عربية يمانية قديمة تتبع مملكة سبأ، وقد نشأت هذه القبيلة في نجد، وتردد اسم هذا القبيلة في كثير من الكتب باسم (كندة الملوك)، وقد دخل جلّ هذه القبيلة الإسلام بعد أن عرفوا به، وهم من القبائل التي وفدت على النبي صلى الله عليه وسلم في عام الوفود، في السنة التاسعة من الهجرة، وشاركت هذه القبيلة مشاركة فاعلة في الفتوحات الإسلامية، ولمّا فتحت البلدان والأمصار هاجر كثير من أفراد قبيلة كندة إلى البلدان المفتوحة في الشام وبلاد فارس و إلى بلاد المغرب العربي وبلاد الأندلس.
كان جدّالمقنع عمير زعيم كندة، وبعد موته نشأ خلاف بين والد المقنع وهو ظفر وعمه عمرو بن أبي شمر على الزعامة، لكنّه كان لا يصل إليها ويقصر عنها، وقد يكون هذا الخلاف سببا في الخلاف بين المقنع الكندي نفسه وأبناء عمّه في ما بعد، أيّ أنّ التنافس على الزعامة والرياسة هو الذي كان يؤجج نار الخلاف والفرقة بين أبناء العمومة، وقد يكون هذا سببا إضافيا لأبناء عمّه بأن يرفضوا تزويج أختهم بالمقنع، وسيأتي الحديث عن ذلك.ولقّب بالمقنع لأنّه كان يلتفّ بقناع و ماسك بسبب جمال وجهه، وكان طويل القامة، وذُكر في بعض المصادر أنّه كان لا ينزع رداءه عن وجهه، و قال عنه الأصفهاني في أغانيه إنّه كان اجمل وافضل الناس وجها، وكان إذا سفر اللثام عن وجهه أصابته العين، فيمرض ويجلس طريح الفراش لا يغادره مدة من الزمن؛ ولهذا كان يغطي وجهه دائما بقناع و ماسك خوفا وحيطة. وهناك من يرى أنّه يتقنع بالقناع و ماسك لأنّ القناع و ماسك دليل الرياسة والزعامة، و صفة تشير إلى الزعماء، وهذا يشير مرة أخرى إلى التنافس بين المقنع و أبناء عمّه على زعامة القبيلة، فهو لا يترك فرصة إلا دخل منها لإثبات أحقيته بالرياسة دونهم، وهذه واحدة من الفرص التي يثبت فيها للجميع أنه زعيم القوم وكان يذكر ذلك في شعره فيقول في قصيدته المشهورة:
وَلا أَحمِلُ الحِقدَ القَديمَ عَلَيهِم وَلَيسَ كَريمُ القَومِ مَن يَحمِلُ الحِقد
فَذلِكَ دَأبي في الحَياةِ وَدَأبُهُم سَجيسَ اللَيالي أَو يُزيرونَني اللَحدا
و وردت في رواية أخرى:وَلَيسَ رئيس القَومِ مَن يَحمِلُ الحِقدا
المقنع الكندي شاعر أموي ولد في (وادي دوعن)، وهو في حضرموت، و لا تعرف سنة مولده، لكنه توفي في سنة سبعين من الهجرة، أي في العصر الأموي. كان كريما سمحا يعطي بسخاء، حتى أهلك مال أبيه الذي ورثه عنه،فلم يكن يردّ سائلا، وكان كثير الضيف، واستغل أبناء عمّه عمرو بن أبي شمر فقر المقنع،وكرمه واستدانته من أجل استضافة الناس و إكرامهم وإحسان وفادتهم فاستعلوا عليه بمالهم وجاههم، ولمّا خطب المقنع اختهم، أي ابنة عمّه التي عشقها وهواها أبوا أن يزوجوه إياها، وعيّروه بفقره وعسره وكثرة ديونه، فعزّ عليه ذلك، وعاتب أبناء عمّه، فجادت قريحته بقصيدته الدالية الشهيرة التي يقول في مطلعها:
يُعاتِبُني في الدينِ قَومي وَإِنَّما دُيونيَ في أَشياءَ تُكسِبُهُم حَمدا
ويقول فيها أيضا:
وإن الّذي بيني وبين بني أبي ... وبين بني عمي لمختلف جدا
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم ... وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
ويتميّز شعر المقنع الكندي برصانة الأسلوب وحسن الابتداء والاختتام، ويختار ألفاظه بدقة وعناية، وهذا دليل على ملكته الشعرية وقوة صناعته، وقد طغى على شعره الفخر والاعتزاز بالنفس، ولعلّ قصيدته الدالية المشهورة التي نُثرت في أكثر كتب الأدب والبلاغة دليل حاسم على افتخاره بكرمه وشجاعته، ومقارنة صفاته ونبل أخلاقه بأقاربه.