إرهاصات الهجرة النبوية
اشتدَّ أذى المُشركينَ في مكّة على رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وسلّم، وأخذوا يتداولون فيما بينهُم كيفيّة القضاء على النبيّ الكريم عليهِ الصلاةُ والسلام، وخُصوصاً عندما اجتمعوا في دارِ الندوة، وقرّروا قتلَ سيّد البشر عليهِ الصلاةُ والسلام، وذلكَ بأن يقتله شبابٌ من مكّة يضربونهُ ضربةَ رجلٍ واحد؛ ليتفرّق دمهُ الشريف بين القبائل كما يزعمون، فمكرَ هؤلاء الكُفّار مكراً، ومكرَ الله مكراً، فأخرجَ النبيّ عليهِ الصلاةُ والسلام من بين أيديهِم، لم يمسسهُ سوء فكانت تلكَ بداية الهجرة.
الهِجرة النبويّة الشريفة
هاجرَ النبيُّ الكريم عليهِ الصلاةُ والسلام من أرضهِ التي أحبّها ومن بلادهِ التي عاشَ فيها، وذلكَ لنشر الحقّ وإرساء دعائم الدين في الأرض، وقد اختارَ النبيُّ الكريم عليهِ الصلاةُ والسلام أبا بكرٍ الصديق رضيَ اللهُ عنه رفيقاً لهُ في الهجرة وصاحباً لهُ في السفر، فكانَ ذاكَ اليوم من أشدّ أيّام الصدّيق فرحاً حتّى أنّهُ كان يبكي من الفرح رضيَ اللهُ عنه.
وقد هيأ النبيّ عليهِ الصلاةُ والسلام الظُروف المُلائمة للهجرة، وأخذَ بالما هى اسباب التي تُعينهُ على هذهِ الرحلة من مكّة المُكرّمة إلى المدينة المنوّرة، حيث كانَ أهمّها هو وجود الأنصار الذين بايعوه يوم العقبة، وهُم الذين سيحمون دعوتهُ ويؤازرونه، وكذلك من الما هى اسباب التي اتّخذها النبيّ عليهِ الصلاةُ والسلام هو استئجار دليلٍ لهُم يدلّهم على طريق الهجرة إلى مكّة، وهذا الدليل هوَ عبد الله بن أريقط.
ولمّا علمت قُريش بهِجرة النبيّ عليهِ الصلاةُ والسلام، وخُصوصاً حين عصمهُ الله من القتل يوم أن تربّصوا به، أخذوا يجدّون في طلبه، والالبحث عن أثره، فبذلوا الجوائز لمن يأتي بخبره، أو يصل إليه، وقد انبرى لهذا الأمر سُراقة بن مالك طمعاً في نيل الجائزة من كُفّار قُريش، وفعلاً اهتدى للنبيّ عليهِ الصلاةُ والسلام وأبي بكر الصديق، ولكنَّ الله بقُدرته البالغة عصمهما منه، حينَ ساخَت قدما فرس سُراقة في الأرض، كُلّما أراد أن يقترب منهما، فعرفَ سُراقة عندها أنّهُ نبيٌّ معصوم عليهِ الصلاةُ والسلام.
وكانت هجرتهُ عليهِ الصلاةُ والسلام في مُستهلّ ربيع الأول في العام الثالث عشر من البعثة النبويّة الشريفة، وقد أكرمهُ الله بها أن أنزلهُ في دارِ الإيمان والبركة وهيَ المدينة المُنوّرة، فكانت هذهِ المدينة الطيّبة هيَ أوّل حاضرةٍ للدولة الإسلاميّة التي أسس النبيّ الكريم عليهِ الصلاةُ والسلام دعائِمها.
وقد قامَ عليهِ الصلاةُ والسلام بأعمال عديدة حينَ وصلَ إلى المدينة المُنوّرة، حيث أمر ببناء أوّل مسجد في الإسلام وهو مسجد قباء، وكذلك نظّم جميع أطياف مُجتمع المدينة، وأرسى قواعد العدل والمُساواة، وشكّل الجيش الإسلاميّ من خيرة الصحابة الكِرام الذين آخاهُم فيما بينهم، وهُم المُهاجرونَ من أهل مكّة والأنصار من أهل المدينة، فكانت دولة النبوّة والعدل والخير.