تعرّض المسلمون في بداية الدّعوة الإسلاميّة إلى صنوفٍ شتّى من العذاب والأذى، وقد تحمّل النّبي صلّى الله عليه وسلّم ومن آمن معه ذلك، ولم تثنهم مغريات الحياة الدّنيا وما عرض عليهم من مالٍ وسلطان للرّجوع إلى الضّلال والكفر، وفي المرحلة السّريّة للدّعوة الإسلاميّة وحين كان المسلمون يجتمعون خيفةً بعيدًا عن أعين المشركين وبطشهم تمنّى رسول الله عليه الصّلاة والسّلام أن يسلم أحدٌ من رجالات قريش وتكون له منعةً وقوةً في قومه، وقد دعا ربّه أن يأيّد الإسلام بأحد العمرين وهما عمرو بن هشام الملقب بأبو جهل، وعمر بن الخطاب، وقد شاء الله تعالى أن تتنزّل الهداية وانشراح الصّدر لدخول الإسلام على قلب عمر بن الخطّاب، فجاء إلى النّبي الكريم وأسلم على يده ليكون إسلامه فتحًا أعطى الدعّوة منعةً وقوّة لم تكن من قبل، فأصبحوا يجهرون بالدّعوة عند المسجد الحرام حتّى قال أحد الصّحابة ما زلنا أعزّة منذ أسلم عمر، وقد صدح عمر رضي الله عنه بالدّعوة بكلّ قوّة، حتّى مكّن الله تعالى لهذا الدّين في الأرض.
ولو تكلّمنا عن مناقب سيّدنا عمر لما وفّتها كتب ومجلدات، فهو أحد الخلفاء الرّاشدين الذين ساروا في حكمهم على منهج النّبوة، وقد سمي رضي الله عنه بفاروق الأمّة، وقد مدحه النّبي الكريم في أحاديث كثيرةٍ ومناسبات عديدة، منها قوله لو كان بعدي نبي لكان عمر، وفي حديث آخر إنّ من قبلكم محدّثين فإن يكن في أمّتي فعمر، كما بين النّبي الكريم حال الشّيطان وكيف يهرب من الطّريق الذي يسلكه عمر رضي الله عنه وهذا يدلّ على قوّته في الحقّ، وحين تولّى الخلافة من بعد سيّدنا أبو بكر الصّديق رضي الله عنه ساس الرّعيّة بالعدل حتّى وجده رسول قيصر يومًا تحت شجرة نائمًا مطمئنًا فقال عدلت فأمنت فنمت يا عمر.
وقد أغاظ المنافقون الذي أسلموا ظاهرًا وأبطنوا الكفر والنّفاق باطنًا أن يروا خليفةً قوي للمسلمين كعمر، فخطّط أحدهم ويدعى أبو لؤلؤة المجوسيّ لقتل سيّدنا عمر، فدخل المسجد يومًا والنّاس يصلّون جماعةً وإمامهم سيّدنا عمر، فقام بسلّ خنجره الذي وضع السّم عليه وطعن به قلب عمر الطّاهر، ليبقى سيّدنا عمر عدّة أيّام بعدها على الفراش، وقد اختار عشرةً من خيرة الصّحابة ليختاروا أصلحهم لتولّي الخلافة من بعده، وقد فاضت روحه الطّاهرة في شهر المحرّم من السّنة الرّابعة والعشرين للهجرة الموافق سنة 644 ميلادي رضي الله تعالى عنه وأرضاه.