كثيراً ما تلتقي بأناسٍ في هذه الحياة وتتحدّث معهم في مسألة الثّقة بالله تعالى ، فترى أحدهم يقول لك بلهجة الإنسان الواثق بنفسه أنا واثقٌ من ربّي جلّ وعلا ، وحين تنظر إلى واقع حياته ترى العجب العجاب حيث تراه مقيماً على معصية الله تعالى في قوله وعمله وسائر أموره ، ثمّ يقول لك أنا واثقٌ أنّ ربّي سوف يغفر لي ، وما درى هذا الغافل التّائه أنّه لو أحسن الظنّ بالله تعالى لأحسن العمل ، وإنّ كلّ مدّعٍ لا يطيع الله تعالى هو غير واثقٍ منه ، ذلك بأنّ الثّقة بالله تعالى تستلزم من المسلم حسن العمل والطّاعة لمن يثق به ، كما تستلزم حسن التّسليم لله تعالى ، فحين يُظلم الإنسان مثلاً تراه يسلّم أمره إلى الله تعالى لأنّه يعلم واثقاً من قلبه بأنّ الله تعالى سينتقم له ممّن ظلمه في الدّنيا أو الآخرة ، وهذا وجه من وجوه الثّقة بالله تعالى .
وهناك وجوهٌ أخرى لحسن الثّقة بالله تعالى كالذي يجاهد الأعداء في الحروب متوكّلاً على الله تعالى واثقاً من نصره ، وإن غابت الثّقة هنا حصلت الهزيمة بلا شكّ ، لذلك ترى في تاريخنا الإسلامي حين كان المسلمون يقاتلون أعداءهم عن ثقةٍ بالله تعالى وحسن توكّل كانوا ينتصرون في معاركهم ويحقّقوا النّصر المؤزّر ، وكما قال أحد قادة الجيوش المسلمة لقائد الكفّار جئتك بقومٍ يحبّون الحياة كما تحبّون الموت ، ولا شكّ بأنّ هذا كان بسبب ثقتهم بالله تعالى ، وأنّ ما وعدهم الله تعالى من جنّات ونعيمٍ على صبرهم وثباتهم قد استيقنوا منه حق اليقين وكأنّهم رؤوه عياناً ، وقد عبّر عن ذلك الصّحابي الجليل الذي قال للنّبي صلّى الله عليه وسلم قد أصبحت مؤمناً حقّاً ، فقال له النّبي الكريم فما حقيقة إيمانك ، فشرح له الصّحابي الجليل ذلك مبيّناً حاله وكيف أصبح وكأنّه ينظر إلى أهل الجنّة وهم يتنعّمون فيها ، وأهل النّار وهم يعذّبون فيها ، فعزف نفسه عن الشّهوات وأظمأ نهاره وأحيا ليله ، فقال له النّبي الكريم قد عرفت فالزم ، فحقيقة المعرفة بالله تعالى تتأتّى من الثّقة فيما عنده من الثّواب والعقاب ، والوعد والوعيد .
وأخيراً نقول ونحن نرى حال أمّتنا من الذّل والهوان الذي أصابها أنّ وعد الله تعالى لهذه الأمّة بالنّصر والتّمكين آتٍ لا محالة ، واثقين من ربّنا جلّ وعلا .