بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن إهتدى بهداه. أما بعد،
البِدْعَة في اللغة مشتقة من الجذر اللغوي (بدع)، حيث يقول ابن منظور: « بَدَع الشيء يَبْدَعُه بَدْعًا وابْتَدَعَه: أَنْشَأه وبدأه...، والبِدْعَة: الحَدَث وما إبتدع من الدين بعد الإكمال. » [راجع: لسان العرب].
والبدعة في الشرع هي: « طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعيَّة، يُقْصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبُّد لله سبحانه. » [راجع: الاعتصام للشاطبي].
ويمكن تعريف ومعنى البدعة أيضًا بأنها: كل قول أو عمل يُقصد به التقرب لله تعالى، وطلب الأجر منه مع مخالفتها لما جاء في السنة، وبعبارة أخرى: هي قول أو عمل تعبدي لم يثبت ولم ينص عليه لا في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله، حيث يكون هذا القول أو العمل على صفةٍ وكيفيةٍ مخالفة للكتاب والسنة.
وبناءً على ما سبق جاء العلماء بهذه القاعدة: العبادات توقيفية، أو الأصل في العبادات التوقيف أو الحظر أو المنع. والأدلة على هذه القاعدة مستفيضة في الكتاب والسنة، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد » [متفق عليه]، وقال أيضاً: « وكل بدعةٍ ضلالة. » [رواه مسلم].
وقد تكون البدعة في العقائد، كبدع الفرق الضالة المنحرفة عن طريق رسول الله، والذين أتوا بعقائد مبتدعة مخالفة لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم بأن كل بدعة ضلالة يَهْدِم ويُبْطِل قول من يقول: بأن هناك بدعة حسنة، وأخرى سيئة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قد عَمَّمَ في هذا الحديث الضلال على كل البدع، ولم يقسمها أو يستثن منها شيئًا، حيث يقول: (كل بدعة ضلالة)، أما أولئك فيقولون: ليست كل بدعة ضلالة، بل هناك بدعة حسنة وسيئة! تأمل عزيزي القارئ.
البدعة مهما كانت فهي ضلالة بلا شك، وذلك لأن فيها استحداث ما ليس في سنة رسول الله، وفيها استدراك على الله ورسوله، فالدين قد إكتمل، والرسول صلى الله عليه وسلم قد أدى الرسالة على أكمل وجه، ونَصَحَ الأمة، وقال في أحد الأحاديث بأنه لم يترك شيئًا يقربنا إلى الله، ويبعدنا عن النار إلا وأمرنا به، كما أنه لم يترك شيئاً يبعدنا عن الله، ويقربنا إلى النار إلا ونهانا عنه، فلسان حال المُبْتَدِعَة يدل على أنهم يتهمون الرسول بأنه قد قَصَّر في تبليغ الرسالة ونُصْح الأمة، ولكن حاشا للرسول أن يكون قد قَصَّر في شيءٍ من هذا.
وينبغي التنبيه إلى أن العلماء قد وضعوا ضوابط وقواعد يتم بها التمييز بين البدعة والسنة، بالإضافة إلى أن حُكْم البدعة يختلف حسب نوعها، فقد تكون البدعة كفرًا صريحًا، فتخرج صاحبها من الملة، وقد تكون البدعة من المعاصي التي لا يُحْكم على كفر صاحبها.
ونختم هذا المقال بذكر إحدى البدع الشهيرة التي ينبغي على كل مسلم تجنبها والابتعاد عنها، وهذه البدعة هي: (افحتفال بيوم المولد النبوي)، فقد حَكَمَ العلماء الثُّقَات بأن هذا الإحتفال هو بدعة ضلالة، فهذا الإحتفال يُراد منه تعظيم وتكريم رسول الله، إذن فهو من جملة العبادات التي يُراد منها التقرب إلى الله وطلب الأجر منه، وهو بدعة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بيوم مولده، ولم يأمر أصحابه بهذا الاحتفال، كما أن أصحابه لم يتحفلوا بيوم المولد بعد وفاة الرسول، وحتى التابعين ومن تَبِعَهُم لم يحتفلوا بهذا اليوم، فإذا كان هذا الإحتفال كما يَزْعُم أصحاب هذه البدعة فيه خير وبركة لهذه الأمة، فلماذا لم يأمرنا الرسول به؟! أليس في هذا الإحتفال إستدراك على رسول الله؟! أليس في إبتداع هذا الاحتفال اتهام للرسول بأنه كَتَم هذا الخير عن الأمة؟! وحاشاه أن يكون قد فعل ذلك، وإنما هذا الاحتفال هو شر وضلال مبين، ولو كان خيرًا لأمرنا الرسول به، ولسبقنا الصحابة إليه.
ونسأل الله الهداية لكل أبناء هذه الأمة.