حثّ الإسلام في كافة مذاهبه السلوكية على الإلتزام بالأخلاق العامّة التي تنطوي على الاعتقاد فحسب بل على التطبيق العملي، ومن المفاهيم التي يحدث بها التباس على الوجه العام، وتعتبر ركيزة من ركائز المسلم العابد "الوًرع"، فهي من أعلى مراتب الإيمان بل ربما اسماها وأعظمها قدرا عند الله سبحانه وتعالى، وينتج اللبس في هذا المفهوم وتعريف ومعنى بوجه عام نتيجة لخلط الجوانب السلوكية بالعقيدة الصحيحة، فربما يكون المسلم مصلياً أو قواما ًأو صواناً أو داعية أو خطيباً أو عالماً، ولكن من الصعب إن يكون ورعاً، فالوًرع رتبة من الصعب نيلها إلا إذا تحقق مفهوم وتعريف ومعنى الإخلاص. ودون أدنى شك فإنّ لانتشار الفساد في الأرض، وضلال الإنسان وانحرافه نحو تحقيق مآربه الشخصيّة، وانتشار الفواحش ، وغياب البركة في الأرزاق الأمر الذي ساهم كثيراً في غياب مفهوم وتعريف ومعنى الوَرع.
ويعرف الورع شرعاً على أنّه ليس فحسب الكف عن المحارم التحرُج، بل أيضاً الكف عن الكثير من المباح والمستحبات خشية الوقوع في الحرام، ويعرف الورع اصطلاحاً بترك ما يريب، ونفي ما يعيب، والأخذ بالأوثق، وحمل النفس على الأشق، وقدر عرفه شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه ترك ما يخاف الإنسان عاقبته، وهو ما يعلم تحريمه او ما يشك في تحريمه، ولذا فأن الورع في المصطلح الديني يشير إلى حالة تنطلق من النفس، بحيث يشعر الإنسان بصعوبة الإتيان بمثل هذا القول أو الفعل فلا يقدم عليه خشية لله عز وجل، واستشعارا لنعمه العظيمة وألائه الجسيمة، او محبة لله سبحانه وتعالى نابعة من قلب المؤمن، او يستحضر موقف من مواقف الآخرة، كنعم الله للطائعين وعقاب الله للعاصين فتضعف لديه نوابغ المعصية لوضوح الصورة القبيحة للعاصين والجميلة للطاعات، ولهذا الأثر الكبير في سلوكيات الإنسان وحسن تعامله مع الناس كافة باختلاف أجناسهم أو أعراقهم أو حتى معتقداتهم الدينيّة، وهو الهدف الراسخ للدين الإسلامي والتطبيق العملي لمنهجه.
وهنالك علاقة كبيرة بين الوُرع والعبادة، فالعبادة مقترنة بالورع، وذلك من خلال عكس مفهوم وتعريف ومعنى العبادة في المعاملات مع الله سبحانه وتعالى ومع الإفراد، وفي هذا الصدد علينا أن نتجنب الخلط بين مفهومي الوٌرع والتشدد، فالورع هو ترك ما لا بأس به حذراً مما به من بأس، كترك بعض المباحات أو التقليل منها لتهذيب النفس ولتقوية وتنمية الوازع الداخلي، وأمّا التشدّد فهو تحريم الحلال او ترك الحلال بصفة التعبد بتعرف ما هو ليس بعبادة، ومن اثأر الوُرع هو حجز اللسان عن قول الزور والخوض في إعراض الناس، ومنع القلب من سوء الظن بالآخرين أو ظلمهم، وكف الإنسان عن إيذاء الآخرين أو إلحاق الضرر بهم.