ما معنى الإيمان بالله
إنّ الإيمان بالله سبحانه وتعالى يكون بالاعتقاد، والقول، والعمل، وهو يعني أن يعتقد المسلم بالله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم - بقلبه، وأن يعتقد بكلّ ما جاء بالشرع اعتقاداً جازماً لا شكّ فيه، ولا ريبة، ومن ثمّ اتباع هذا الاعتقاد بعمل جوارحه، وذلك حتّى يكون باطنه مطابقاً لظاهره، قال سبحانه وتعالى:" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ "، الحجرات/15.
واعتقاد المسلم الجازم يكون في الأمور الغيبيّة، لأنّ الإيمان بالغيب هو ما يتفاضل به النّاس، ويتفاوتون بحسبه، وإيمان المسلم يزيد بطاعات المسلم، وينقص بطاعاتهم، قال سبحانه وتعالى:" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ "، الأنفال/2-5.
والإيمان بالله سبحانه وتعالى له شعب كثيرة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:" الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ "، أخرجه مسلم.
والإيمان بالله عزّ وجلّ له عرىً كثيرة، وإنّ أوثقها الحبّ والبغض في الله، والموالاة والمعاداة في الله، فعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ:" كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ النَّبِىِّ - صلّى الله عليه وسلّم - فَقَالَ: أَىُّ عُرَى الإِسْلاَمِ أَوْثَقُ؟ قَالُوا الصَّلاَةُ. قَالَ: حَسَنَةٌ وَمَا هِىَ بِهَا.قَالُوا: الزَّكَاةُ. قَالَ: حَسَنَةٌ وَمَا هِىَ بِهَا.قَالُوا: صِيَامُ رَمَضَانَ. قَالَ: حَسَنٌ وَمَا هُوَ بِهِ.قَالُوا: الْحَجُّ. قَالَ: حَسَنٌ وَمَا هُوَ بِهِ.قَالُوا: الْجِهَادُ. قَالَ: حَسَنٌ وَمَا هُوَ بِهِ.قَالَ: إِنَّ أَوْسَطَ عُرَى الإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِى اللَّهِ وَتُبْغِضَ فِى اللَّهِ "، أخرجه أحمد، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:" يَا عَبْدَ اللَّهِ أَىُّ عُرَى الإِسْلاَمِ أَوْثَقُ؟. قَالَ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: الْوَلاَيَةُ فِى اللَّهِ الْحُبُّ فِى اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِى اللَّهِ "، السّنن الكبرى للبيهقي.
وإنّ من نقض إيمانه بشيء من نواقض الإيمان فقد كفر، ولا تعتبر باقي شعب الإيمان نافعةً له، وذلك لقوله سبحانه وتعالى:" إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا "، النساء/48، وقال سبحانه وتعالى:" ... وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ "، المائدة/5. (1)
الإيمان بالغيب
يعتبر الإيمان بالغيب خاصيّةً مميّزةً للبشر عن دونهم من الكائنات، لأنّ الحيوانات لربّما اشتركت مع الإنسان في إدراكها للمحسوس، وأمّا الإيمان البغيب فالإنسان هو وحده المؤهّل ليؤمن به، وذلك خلافاً للحيوان، حيث يعتبر الإيمان بالغيب من ركائز الإيمان في جميع الرّسالات السّماويّة.
وقد احتوت الرّسالات السّماوية على أمور غيبيّة، لا يقدر الإنسان على أن يعلمها إلا عن طريق الوحي الثّابت في القرآن الكريم والسّنة النّبوية، مثل الأحاديث عن الله سبحانه وتعالى، وافعاله، وصفاته، والسّماوات السّبع، والملائكة، والشّياطين، والجنّة، والنّار، وغير ذلك من الأمور والحقائق التي لا يعلمها الإنسان وليس لديه القدرة على معرفتها لوحده، ولا سبيل إلى إدراكها إلا عن طريق الأخبار التي أنزلها الله سبحانه وتعالى وأوحى بها إلى نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. (1)
التوحيد وأقسامه
إنّ الإيمان بالله تعالى هو التّصديق والإقرار بوجود الله تعالى، ويتضمّن أيضاً توحيد الله عزّ وجل، وينقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام وهي على النّحو التالي: (2)
- توحيد الرّبوبية: والمقصود به هو إفراد الله سبحانه وتعالى بأفعاله، مثل الخلق، والتدبير، والملك، قال سبحانه وتعالى:" الحمد لله ربّ العالمين "، الفاتحة/1، ومعنى ذلك المالك، والمدبّر لشؤونهم، وإنّ الاعتراف بربوبيّة الله عزّ وجلّ هو أمر لا يخالف فيه أحد إلا الملحدون، ذلك أنّ سائر الكفّار كانوا معترفين بوحدانيّة ربوبيّة الله عزّ وجلّ، ولكنّهم أشركوا في جانب الألوهيّة، حيث كانوا يعبدون مع الله سبحانه وتعالى غيره، قال سبحانه وتعالى:" ولئن سألتهم من خلق السّماوات والأرض وسخّر الشّمس والقمر ليقولنّ الله فأنّى يؤفكون "، العنكبوت/61.
- توحيد الألوهيّة: ومعنى ذلك أن يفرد المسلم الله سبحانه وتعالى بالعبادة، وأن يعبده لوحده لا شريك له في العبادة، وعبادته سبحانه وتعالى بما شرع لنا، وليس بحسب الأهواء والبدع، قال سبحانه وتعالى:" قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين "، الأنعام/162، وقد اختلف المشركون في هذا النّوع من التوحيد، لذلك أرسل لهم الله سبحانه وتعالى إليهم الرّسل، قال سبحانه وتعالى:" ولقد بعثنا في كلّ أمّة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقّت عليه الضّلالة "، النحل/36.
- توحيد الأسماء والصّفات: ومعنى ذلك هو إثبات المسلم ما أثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه، أو ما أثبته له النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - من دون تحريف، ولا تمثيل، ولا تكييف، وأن يقوم بنفي ما نفاه الله سبحانه وتعالى عن نفسه، أو نفاه عنه النّبي صلّى الله عليه وسلّم، قال سبحانه وتعالى:" ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير "، الشورى/11.
شروط التوحيد
إنّ للتوحيد شروطاً مهمّةً، ومنها: (2)
- أن يكون المسلم عالماً بمعناها، وهو المنافي للجهل، فلا يكتفي بأن يقوم بترديدها من دون أن يعلم تعرف ما هو معناها، حتّى يكون من أهلها، قال سبحانه وتعالى:" فاعلم أنّه لا إله إلا الله "، محمد/19، وقد أخرج مسلم عن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:" من مات وهو يعلم أنّه لا إله إلا الله دخل الجنّة ".
- أن يكون المسلم على يقين، ولا يقع في قلبه شكّ فيما جاء بها، أو فيما تضمّنته، وذلك لقوله سبحانه وتعالى:" إنّما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثمّ لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصّادقون "، الحجرات/15، وقال صلّى الله عليه وسلّم:" أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّي رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاكّ فيهما إلا دخل الجنّة "، رواه مسلم، وبالتالي لا يكفي المسلم أن يتلفّظ بالشّهادتين فقط، بل عليه أن يستيقن بهما في قلبه، وأن يبتعد عن الشّك، وإلا فإنّه يعدّ منافقاً، قال الله سبحانه وتعالى:" إنّما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يتردّدون "، التوبة/45.
- أن يقبل بما تقتضيه هذه الكلمة، وهو ما كان ضدّ الرّد والاستكبار، وهو ما اقتضى عذاب بعض الأقوام، لقوله سبحانه وتعالى:" إنّا كذلك نفعل بالمجرمين * إنّهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون "، الصافات/34-35.
- أن ينقاد لما دلت عليه، أن يكون الإنسان عاملاً بما أمره الله سبحانه وتعالى به، أي أن ينتهي عن كلّ الأمور التي نهاه الله سبحانه وتعالى عنه، قال سبحانه وتعالى:" ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور "، لقمان/22، وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:" العروة الوثقى هي لا إله إلا الله ".
- أن يكون صادقاً بقلبه، وأن يوافق قلبه لسانه، قال سبحانه وتعالى:" ومن النّاس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون "، البقرة/8-9.
- أن يريد وجه الله سبحانه وتعالى بهذه الكلمة، وأن يكون مخلصاً، قال سبحانه وتعالى:" وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدّين حنفاء ويقيموا الصّلاة ويؤتوا الزّكاة وذلك دين القيّمة "، البيّنة/5.
المراجع
(1) بتصرّف عن كتاب أركان الإيمان/ علي بن نايف الشحود/ الطبعة الرابعة.
(2) بتصرّف عن مقال التوحيد حقيقته وأنواعه/ 17/06/2002/ موقع المقالات/ إسلام ويب/ islamweb.net