العلم والإيمان لا يفترقان البتة، بل هما من المتلازمات فالعلم هو وسيلة يستطيع بها الإنسان المدرك الواعي أن يتعرف الإنسان على خالقه وأن يتقرب إليه، لأن المؤمن العالم احسن وأفضل بكثير وأوعى من المؤمن الجاهل، فالعالم على يقين مطلق بوجود الله وعظمته وقدرته التي لا يستطيع العقل البشري مهما كان عظيماً أن يتصورها أو حتى أن يقاربها، لهذا فالعلم ضروري جداً. وفي بعض الأحيان تتضارب أحوال بعض الفرضيات العلمية مع ما تقوله الأديان، فالفرضيات العلمية خاضعة لقدرات العالم أو مجموعة العلماء الذين عملوا على إيجاد وتطوير مثل هذه الفرضيات، والدين أيضاً ليس بمعزل عن تضارب الأقوال فيه، ففي ديننا الحنيف – على سبيل المثال -، ألفاظ كتاب الله تعالى فقط هي المحفوظة لكن المعاني المستنبطة منها والأحكام خاضعة للتغيير وتتسم بالنسبية؛ نسبية الفهم ونسبية القدرات ونسبية التصورات ونسبية الخلفيات سواء الدينية أو الثقافية أو المرجعيات العلمية أو طرق ووسائل التفكير المختلفة والمتنوعة ونسبية الزمان والمكان والأخيرتان هما الأهم بلا شك في ذلك، وهذا الاختلاف واضح بشكلي جلي في كثرة المختلفين، وقل المجمعين والمتفقين على رأي واحد، ومن لم يدرك هذه الحقيقة يجب عليه أن يراجع النظر ويعاود التمعن. ولكن ومع كل هذا الاختلاف يجب أن لا تستخدم الأساليب الإكراهية والتي تضفي السلطات الكهنوتية على رجال الدين، فهذا عقلي وأن حر به، وليس لأحد مهما كانت منزلته أن يتحكمن فيه، أنا من يقرر ما الفكرة التي سأتبناها والتي سأحيا من أجلها وتعرف على ما هى الفكرة التي لا أتفق معاه والتي لا تناسبني، فحتى الرسول وإخانه الأنبياء لم يمنحوا أنفسهم هذه السلطة فكيف بمن هم أدنى من ذلك مرتبة وأقل قدراً.
من أبرز الاختلافات بين الفرضيات العلمية والأقوال أو النظرات الدينية، هي موضوع أصل الإنسان وطريقة وجوده وخلقه، فالعلم يفترض التطور،حال الإنسان في ذلك حال باقي المخلوقات، حيث تعتمد هذه النظريات التطورية على الدلائل والقرائن العلمية كالأبحاث والدراسات المعمقة – التي لا ناقة للمسلمين فيها ولا جمل – والأحافير وغيرها من أدوات العلوم، حيث تقول هذه النظرية بأن الإنسان ذو علاقة كبيرة مع أنواع القردة كالشمبانزي والغوريلا وغيرهما، وأن هناك تشابه كبير بين مكونات البشر ومكونات الحيوانات من مملكة الثدييات. أما الملل السماوية اليهودية والمسيحية واليهودية فتقول بأن الإنسان كائن خلقه الله تعالى من طين ثم زوده بالنفس ونفخ فيه من الروح التي تميز بها عن سائر المخلوقات. ومن بلاهة أتباع الديانات عموماً أنهم حينما يجادلون في هذه المواضيع يعتمدون على أقوال الكتب السماوية الثلاثة، وهم يجادلون أعتى الملاحدة وأكثرهم ذكاء ممن يرفضون بشكل قاطع أفكارهم، غير مدركين وقادرين على أن يستخدموا الحجة بالحجة ليثبتوا صحة أقوالهم. وهذا مما تعاني منه أمتنا الإسلامية للأسف الشديد.