لقد بنيت الحضارة العربية منذ القدم ومنذ بدء اللغة العربية بالشعر والذي يعتبر من أعذب ما تقدمه اللغة العربية وأروعها فحتى أنّ القرآن الكريم تحدى الشعراء الذين كانوا منتشرين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يأتوا بمثل هذا الكتاب الكريم فلم يستطيعوا، وكانت هنالك فترات في الحضارة العربية برز العديد من الشعراء كالعصر الجاهلي الذي برزت فيه المعلقات وغيرها، وبعد ظهور الإسلام استمر الشعراء العظام بالظهور بحيث وضع لهم الإسلام ضوابط لشعرهم كالابتعاد عن الرثاء الزائد عن حدّه.
وخلال العصور الإسلامية ظهر العديد من الشعراء الذين اختلفوا في طبيعة شعرهم بحسب العصر الذي ظهروا فيه فبعد تفكك الدولة العباسية وانقسام الحضارة الإسلامية إلى دويلات ظهر الشعراء الذين اتخذ كل واحد منهم مجلساً لأحد الأمراء ليقوم بمدحه ويكون هذا الشعار سفيراً بينه وبين شت الأمم، ومن أشهر هؤلاء الشعراء والذين برزوا في ذلك العصر واشتهرت أشعاره وخاصة الملحمية منها حتى زماننا هذا هو أحمد بن الحسين الكندي الكوفي أو كتعرف ما هو مشهور حتى زماننا هذا بأبي الطيب المتنبي، فكان أبو الطيب المتنبي أعجوبة عصره وزمانه أحد الشعراء الذين حفروا اسمهم في الحضارة العربية كشعراء عظام قاموا من خلال شعرهم بالتأثير ونتائج على مجرى الشعر في الحضارة كلّها، فكان المتنبي وما زال حتى وقتنا الحالي مصدراً لإلهام العديد من الشعراء، وما زالت أشعاره مصدر إمتاع لقارئيها حتى وقتنا الحالي لما فيها من جمال التعبير والتصوير ولتمكنه من اللغة العربية فقد قام بالبدء في نظم أشعاره في التاسعة من عمره، فكانت معظم أشعاره في مدح الملوك والأمراء وخاصة سيف الدولة الحمداني فان ما يزيد على ثلث شعره في مدح سيف الدولة.
وقد قام خلال الفترة التي أمضاها مع سيف الدولة بالمشاركة في العديد من الحروب مع سيف الدولة وقام بنظم الكثير من الشعر في الفخر والرثاء والهجاء وكان أشهر شعره هو سيفياته، وقد كان المتنبي شديد الفخر بذاته وذا كبرياء كبير جداً أيضاً فكان من فخره بنفسه أنّه كان يخصص النصف الأول من قصيدته في مدح نفسه أمّا النصف الآخر فيقوم به بمدح الشخص الذي يريده.
وقد مات المتنبي في قتال حصل له وهو عائد إلى الكوفة فقد قام بهجاء ضبة بن يزيد الأسدي العيني في قصيدة شديدة، وفي طريق عودته إلى الكوفة التقى بخال ضبة فاتك بن أبي جهل الأسدي فتقاتلا هما ومن معهما وقتل المتنبي في هذه المعركة مع ابنه محمد وغلامه مفلح في النعمانية، حيث أنّه عندما ظفر فاتك بالمتنبي وأراد قتله أراد المتنبي الهرب فقال له غلامه: أتهرب وأنت القائل:
الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم
فقال له المتنبي: قتلتني قتلك الله.