العائلة هي الحضن الأول للإنسان، تربيه التربية الأولى، وتمنحه فرصة التعارف على الأصدقاء عندما ينطلق لعالم ما بعد المنزل، الأصدقاء شيء لا يمكن أن نتخلى عنهم مهمها حدث، حتى الأم التي ترى ابنها بلا صديق فإنها تحزن عليه، وتفرح كثيراً بأبنائها الذين يمتلكون أصدقاء أوفياء لهم.
الصديق يعني ساعداً، يشد عضدك وقت المحن، يكن معك في سرك وعلنك.
ليس عيباً أن يكون صديقك قريب منك، أن تتلاءم أفكاركم، ان تتحد طموحاتكم سوية، ولكن العيب أن تكون الصداقة التي تجمعنا مضيعة للوقت، مبعثرة للجهود، قاطعة لنا عن باقي العالم، وعن أسرتنا التي ربتنا منذ الصغر.
الصديق هو الخطوة التي تسير بها، وإذا لزم الأمر فإنك تجري بها، وتمضي في مشوار الحياة الكبير.
رسولنا الكريم كان صديقه أبا بكر الصديق، رغم أنه الرسول، وهو غني بربه، وهمه تبليغ الرسالة؛ إلا أنها منهجية في الحياة، أن يكون لك رفيق تشعر بإطلالته أن الدنيا بخير.
والرسول -عليه السلام- يحث على المصاحبة والصحبة الصالحة، فمن صحبتك تعرف، فيقول -عليه الصلاة والسلام- :" المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل".
في حياة الصحابة، وحياة العظماء، وحياة البسطاء، نجد قيمة الصداقة تتجلى، ونسمع قصة عن صديق عمر، صاحب رفيقه في كل محطات حياته، وباغته الموت فجأة في منتصف عمره، وحزن عليه صديقه، ومات بعده في اليوم التالي، هم نعم الرفقاء، ما استطاع أن يعيش بعده يوماً كاملاً، فلحق به للدار الآخرة.
الصداقة لا تقاس بالوقت والمعاشرة، وإن كانت مهمة جداً، ولكنها تقاس بالمواقف، والحب الصادق، بالمبادئ التي تتعلمها من رفيقك، فتتبناها كأنها مبادئك وأكثر.
الإمام الشافعي -رحمه الله- يصف الصديق الصدوق في أبيات شعر عظيمة، يصف كل مرحلة الصداقة من بدء التعارف حتى الانسجام، يصف حالات الصداقة الخاطئة، والتي تقوم على مبدأ التعلق، وينهي أبياته بأنه إن لم يكن هذا الصديق الحق موجود، فسلام على الدنيا، وسلام له من الدنيا. يقول الشافعي -رحمه الله- :
إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا *** فدعه ولا تكثر عليه التأسفا
ففي الناس أبدال وفى الترك راحة *** وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا
فما كل من تهواه يهواك قلبه *** ولا كل من صافيته لك قد صفا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة *** فلا خير فى خل يجىء تكلفا
ولا خير فى خل يخون خليله *** ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وينكر عيشاً قد تقادم عهده *** ويظهر سراً كان بالأمس قد خفا
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها *** صديق صدوق صادق الوعد منصفا
وفي تعريف ومعنى الصداقة على أكمل وجهها، هو أن تقول لرفيقك يا أنا كما قال الشاعر :
قال لي المحبوب لما زرته *** من ببابي قلت بالباب أنا
قال لي أخطأت تعريف ومعنى الهوى *** حينما فرقت فيه بيننا
ومضى عام فلما جئته *** أطرق ووسائل الباب عليه موهنا
قال لي من أنت؟ قلت انظر فما *** ثم إلا أنت بالباب هنا
قال لي أحسنت تعريف ومعنى الهوى *** وعرفت الحب فادخل يا أنا