سيّدنا إبراهيم
سيدنا إبراهيم عليه السلام هو نبي الله الخليل الذي فضّله على الكثير من الخلائق واصطفاه برسالته، وأرسله لقوم كانوا يعبدون الكواكب والأصنام، ولم يكن راضياً عن عباداتهم وبفطرته شعر بأنّ للكون إلهاً عظيماً حيث اصطفاه الله بالرسالة والهداية.
نشأة إبراهيم عليه السلام
نشأ سيّدنا إبراهيم في أسرة كان فيها والده (آزر) يعبد الأصنام ويصنعها بيديه، وكان آزر أعظم نحات في تصنيع التماثيل، وكبر سيدنا إبراهيم في العمر وكان من الكارهين لعبادة الأصنام؛ حيث أنّه لم يسجد لصنم، وأخذ يفكر في نفسه ويتساءل بأنها لا تملك نفعاً ولا ضراً، وأنها لا تتكلم ولا تأكل ولا تشرب، فقرر مواجهة قومه بأن يسخر منهم بلطف ورفق ومحبة، وذلك بأن يرى في الليل كوكباً ويقول هذا ربي، وعندما أفل، قال: "لا أحب الآفلين"، ثم أعلن لقومه في الليلة الثانية بأن القمر ربه، فلما أفل قال: "لَإِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ"، مبيناً لقومه بأنهم يعبدون إلهاً يظهر ثم يختفي وأنّ له رب غير ما يعبدون ولم يفهمه قومه.
عاود عليه السلام لفت انتباههم بمحاولة جديدة وهي بأنّ الشمس ربّه، وأنها أكبر من القمر، وبعد غياب الشمس أعلن براءته ممّا يعبدون فجميعها مخلوقات تظهر ثمّ تختفي، وبيّن أنّ له إلهاً واحداً لا إله إلا هو متجهاً إليه حنيفاً مسلماً بعيداً عن الشرك، ثم بدأ قومه بصراع معه وذلك بتخويفه وتهديده، حيث قال لهم إبراهيم عليه السلام: "أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ -80- وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ -81-.
دعوة إبراهيم عليه السلام لقومه
بدأ إبراهيم عليه السلام بدعوة أبيه وقومه لترك عبادة الأصنام، ولكنّ أباه رفض وهدّده بأنه سوف يرجمه ويقتله، ولكنّه حاول وبشدة بأن يجعل أبيه يعتزل عبادة الأصنام، وبعد العديد من المحاولات قام أبيه بطرده، وعلى الرّغم من ذلك كان سيدنا إبراهيم يتصرّف مع أبيه كابن بار فقال له: "قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا -47- وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا -48-.
هاجر سيّدنا إبراهيم وهو على علم بأنّهم سيقيمون احتفالاً كبيراً على ضفة أخرى من النهر، وقرّر بأن ينتظر حتى تخلو المدينة من الناس ثمّ دخل المعبد وبيده فأس حاد، ثمّ حطّم جميع الأصنام، تاركاً الصنم الكبير قائلاً عليه السلام: "(لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ)، ليسألوه قومه كيف حدث الأمر؟ ولماذا لم يدافع عن صغار الآلهة! فيعودوا لصوابهم، إلا أن قومه قالوا: من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين.
حدَّث مجموعة من الرجال قومهم بأنهم سمعوا الحوار الذي دار مع إبراهيم عليه السلام وأبيه بأنه يتوعد لتماثيلهم وأنّه يكيد لآلهتهم بعد أن ينصرفوا عنها، فأحضروه ولجؤوا لحرقه، وعندما استعدّوا لحرقه جاء جميع الناس من كافة المناطق ليروا عذاب الشخص الّذي تجرّأ على تحطيم الآلهة، ثم حفروا له حفرة كبيرة وملؤوها بالأخشاب والحطب والأشجار، ثمّ أشعلوا فيها النار وألقوه في النار التي كانت موجودةً في مكانها، ولكنها لم تحرق جسد سيدنا إبراهيم بأمر من الله عز وجل بأن تكون برداً وسلاماً على إبراهيم، فأحرقت القيود فقط وكان سيدنا إبراهيم يجلس في وسطها يمجّد ربه ويسبحه ويحمده، وكان قلبه خالٍ من الخوف والجزع والرهبة.
جلس الناس والكهنة يراقبون النار من مسافة بعيدة؛ حيث كانت حرارتها تصلهم رغم بعدها عنهم، ثم فوجئوا بأنّ سيدنا إبراهيم خرج من الحفرة سالماً معافى ووجهه يملأه النور وثيابه لم تحترق وليس عليه أي أثر من الحريق أو الدخان، ثم استمر في دعوته لعبادة الله وحده، وبذل جهده لهداية قومه، لكن لم يؤمن أحد سوى رجل اسمه لوط الّذي أصبح نبياً، وامرأة اسمها سارة التي أصبحت زوجة لسيدنا إبراهيم، وعندما أدرك بأنه لن يؤمن أحد بدعوته هاجر، ولكنه كان حريصاً على هداية والده ولكنه لم يؤمن بدعوته وقطع علاقته به وتبرّأ منه، ولكن سيدنا إبراهيم تركه وبقي يستغفر له، وعاش يدعو الناس لعبادة الله والدفاع عن حقوق المظلومين وسد حاجات الفقراء والمحتاجين ورزقه الله بالذرية الصالحة وكانوا من أنبياء الله.
يوجد قبر سيّدنا إبراهيم عليه السلام في فلسطين في حبرون وهو الاسم القديم لمدينة الخليل؛ حيث سلّم روحه ودفن في مغارة المكفيلة المكان الذي دفنت فيه زوجته سارة من قبله، ثم دفن ابنه إسحاق وزوجته لائقة.