ولدت السيّدة العظيمة -خير نساء العالمين اللواتي خلقهنّ الله تعالى- السيدة مريم العذراء لعائلة صالحة مؤمنة وموحّدة لله، تسير على خطى نبي الله موسى – عليه السلام – وعلى خطى كلّ الأنبياء ممّن سبقوه وممّن لحقوه. عائلة السيّدة مريم هم آل عمران؛ فهي مريم بنت عمران.
ولدت السيّدة مريم في مدينة الناصرة الواقعة في شمال جليل فلسطين. وكانت والدة السيّدة مريم العذراء كبيرة في السن عندما وضعت، وكانت قد نذرت إن رزقت بولد ستهبه لخدمة بيت الله، ولكنّها وضعت أنثى فقالت كما ورد في القرآن على لسانها الطاهر " فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ".
وقد توفّي والدها وهي في بطن أمّها، فقد كان هو الآخر طاعناً في السن. ولما كانت له منزلة كبيرة في قومه، كان هو واحداً من المعلّمين ومن كبار الفقهاء بالتعاليم الدينية آنذاك، فقد تسابق تلاميذه على كفالة السيّدة مريم بعد أن ولدت، فكانت كفالتها من نصيب نبيّ الله زكريا – عليه السلام –، وزكريا هو زوج خالة السيدة مريم العذارء. وهو والد نبي الله يحيى – عليهم السلام جميعاً -.
عندما كبرت هذه السيّدة العظيمة كانت على اتّصال مباشر مع الملائكة الكرام، فقد كانوا يأتون إليها ويخبرونها أنّ عليها أن تواظب على العبادة والقنوت؛ فهي امرأة اصطفاها الله تعالى على جميع نساء العالمين، وإنّها مطهّرة من كلّ دنس أو رجس. وفي يوم من الأيام جاء إليها الملك رسول الله جبريل – عليه السلام – حاملاً معه البشارة بأنّها ستحمل بنبيٍّ طاهر مطهّر، فتفاجأت وقالت كيف سيكون لها ولد ولم يلمسها رجل في حياتها، فقال له الملك جبريل إنّ هذا هيّن على الله تعالى. وبالفعل حملت السيّدة مريم العذراء بنبيّ الله ورسوله عيسى المسيح – عليه السلام –.
وعندما اقترب موعد ولادتها انتبذت السيّدة مريم العذراء في مكان بعيد، وهو مدينة بيت لحم؛ ففيها كنيسة المهد، وهي الكنيسة التي أقيمت على مكان ولادة هذه السيّدة العظيمة. وبعد أن ولدت جاءت إلى قومها فتعجّبوا حينما رأوها تحمل الطفل على يديها، فأمرها الله تعالى أن تشير فقط إلى هذا الطفل الرضيع، ففعلت كما أمرت، فنطق السيّد المسيح وهو في المهد فقال" قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا، وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا، وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا، وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا".
