واجهت الدعوة الاسلاميّة العداوة من أهل مكّة ومن المشركين في كلّ مكان ، فكان صلّى الله عليه وسلّم يدعو إلى الله وماضياً في دعوته لا يثنيه عن تبليغ أمر الله شيء ولا يفتّ من عزيمته أمر الناس وعداوتهم ، وكانَ صلّى الله عليه وسلّم وهو من الرسل أولي العزم من أعظم الناس همّة وأصبرهم على تبليغ دعوة الله إلى الخلق ، وخاضَ نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم الغزوات والمعارك في سبيل تحقيق دعوته ، وكان أشدّ أهل الأرض عداوةً له صلّى الله عليهِ وسلّم هم أهل مكّة ، وهم أهل قريته الذين أخرجوه من دياره بغير ذنبٍ إلاّ أن يقول ربّيَ الله.
وذات مرّة رأى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في المنام أنّه يدخل المسجد الحرام ملبيّاً ومحلّقاً رأسه فكانت هذهِ الرؤيا دافعةً للمسلين ولرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يتجّهوا بهديهم ومتاعهم إلى مكّة يقصدون العمرة ولم يعلموا أنّ تحقيق هذهِ الرؤيا سيكون في عام آخر وليس في هذا العام ، وفي هذا دليلٌ على أنّ الرؤى أحياناً يتأخر موعدها في التحقيق.
سبب تسمية البيعة بالرضوان
فعندما علمت قريش وأهلم مكّة من المشركين بمقدم الرسول صلّى الله عليه وسلّم إليهم ، ظنّوا أنّه قد أتى لحربهم ، فتوجّهوا إليه ومنعوه من دخول مكّه ، فكان مقامهم خارج مكّة في منطقةٍ تسمّى بالحديبية ، فلمّا رأى المسلمون أنّ قريش قد منعتهم من دخول مكّة ومنعتهم من أداء العمرة أرادوا أن يُخبروا قُريشاً بأنّهم لم يقصدوهم للحرب ، وإنّما ساقوا الهديَ ووضعوا السيوف في أغمادها لأنهم يريدون العمرة فقط ، فكانت طريقة إخبار قريش بهذهِ النيّة وبهذا المقصد هو عن طريق إرسال عثمان بن عفّان رضيَ الله عنهُ وأرضاه إلى قريش ، فلمّا وصل عثمان رضيَ الله عنهُ وأرضاه إلى أهل مكّة أكرموا قدومهُ عليهم ، وعرضوا عليه إذا أرادَ أن يطوف بالبيت أن يطوف بهِ ولا حرجَ عليه ، فرفضَ عثمان رضيَ الله عنهُ وأرضاه هذا الأمر لأنّه لا يُريد أن يطوف بالبيت ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم محجوبٌ عنه ، فما كانَ من قريشٍ إلاّ أن أَسَرَت عثمان بن عفّان رضيَ الله عنه لديها ، فوصَل الخبر إلى المسلمين بأنَّ قُريشاً قد قتلت رسولَ رسولِ الله إليها وهو عثمان بن عفّان رضيَ الله عنه ، فلمّا علِمَ المسلمون بهذا الخبر وهو مقتل عثمان رضيَ الله عنه تعاهدوا على الموت وتبايعوا على أن يموتوا على ما ماتَ عليه عُثمان رضيَ الله عنه ، وكانَ سبب بيعة الرضوان أنّ الله قد رضي عن جميع المؤمنين الذين تبايعوا تحت الشجرة ، وقد أنزل الله فيها قُرآناً يُتلى إلى يوم القيامة ، بأنَّ الله قدر رضيَ عن الذين بايعوا تحت الشجرة ،?لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً?.