جعل الله سبحانه و تعالى لكلّ نبيٍّ معجزةً أرسله بها إلى قومه ، فكانت معجزة سيّدنا صالح عليه السّلام النّاقة التي عقرها قومه فأحلّ الله بهم العذاب ، و كانت معجزة سيّدنا عيسى عليه السلام إبراء العمي و ذوي الأمراض و إحياء الموتى بإذن الله ، و قد ناسب أن ينزّل الله سبحانه و تعالى لكلّ نبيٍّ معجزةً يتحدّى بها النّبيّ ما تفوّق به قومه من جنس المعجزة ، فقد كان قوم فرعون متفوّقون بالسّحر إلى درجةٍ كبيرةٍ ، فكانوا يسحرون أعين النّاس و يأتون بسحرٍ عظيمٍ ، فأرسل الله سبحانه سيّدنا موسى إليهم و أنزل معه معجزاتٍ كان منها عصاه التي ألقاها فتحوّلت بقدرة الله سبحانه و تعالى إلى ثعبانٍ كبيرٍ أكل ما صنع السّحرة ، و كانت النّتيجة إيمان السّحرة و سجودهم لربّ العالمين بعد أن رؤوا الآيات .
و قد كانت قريش قبل الجاهلية إلى ظهور الإسلام يفتخرون بالشّعر و البيان ، و معلّقات الشّعر التي كانت توضع على الكعبة أدلّ شيءٍّ على ذلك ، فقد كانوا أصحاب اللّسان الفصيح البليغ و كانوا يفتخرون بذلك ، فأرسل الله سبحانه و تعالى لهم سيّدنا محمّد عليه الصّلاة و السّلام برسالة الإسلام و جعل معجزته كتاب الله القرآن الكريم ، معجزة الله الخالدة ، فحاول كفّار قريش النّيل من رسول الله و عندما سمعوا للقرآن كذّبوا به ، و قد سمع أحد صناديدهم القرآن و هو الوليد بن المغيرة فمدحه قائلاً إنّ هذا الكلام حلاوة ، و إن عليه لطلاوة ، و إنّه مثمرٌ أعلاه ، مغدقٌ أسفله ، و إنّه يعلو و لا يعلى عليه ، و إنّه ليحطّم ما تحته ، فأبى عليه الكفّار ذلك حتّى قال في القرآن أنّه سحرٌ فاطمأنت نفوسهم الخبيثة .
فالقرآن الكريم هو كتاب الله سبحانه الذي جعل الله لمن يقرأه بكل حرفٍ حسنةٍ ، و هو الكتاب المهيمن على من سبقه من الكتب ، هو شريعة المسلمين و دستورهم ، وهو حبل الله المتين و الذّكر الحكيم و الصّراط المستقيم ، فيه نبأ من قبلنا و خبر ما بعدنا و حكم ما بيننا ، لا تزيغ به الأهواء و لا تلتبس عليه الألسنة و لا يشبع منه العلماء و لا يخلق من كثرة الرّدّ ، من أعرض عنه من جبار قصمه الله ، و لا تنقضي عجائبة ، فهو نور الله الذي تهتدي به الأمّة فلا تتنكّبّ الصّراط .