القسطنطينية
توالت المسمّيات على القسطنطينية، فحملت اسم إسلامبول والأستانة وأخيراً اسم إسطنبول مع قدوم إصلاحات أتاتورك القومية في عام 1930م، واتخذتها الدولة العثمانية عاصمة لها، وكانت قبل ذلك عاصمة للدولة البيزنطية، ويعود الفضل في فتحها إلى السلطان الغازي محمد الفاتح.
خضعت القسطنطينية على مر تاريخ قيامها لحكم الدولة البيزنطية، وبلغت أوج ازدهارها في هذه الفترة، فلحق الازدهار بالفن والثقافة والفلسفة والأدب اليوناني وغيرها، وشاع الأدب والفن البيزنطيان جميع أنحاء أوروبا حتى نال مكانة غير مسبوقة من الاهتمام، وشهدت تلك الفترة إنشاء جامعة القسطنطينية ومكتبتها.
السلطان محمد فاتح القسطنطينية
هو سابع سلاطين آل عثمان، وهو السلطان الغازي محمد الثاني الفاتح، ولقّب بالفاتح وأبي الفتوح وأبي الخيرات، ولد في عشرين إبريل عام 1429م، المصادف السادس والعشرين من شهر رجب سنة 833 هجرية في عاصمة الدولة العثمانيّة أدرنة، ويعود له الفضل بالقضاء على الإمبراطوريّة البيزنطية بعد أن دامت أحد عشر قرناً بازدهار وتقدّم، وقد دام حكمه لمدة ثلاثين عاماً.
ترك السلطان محمد الفاتح آثاراً كبيرة في تاريخ الدولة العثمانيّة، فأول إنجازاته أن توسّع في فتوحاته في قارة آسيا، ووحّد الممالك في الأناضول، وغزا أوروبا وتوغل بها حتى وصل بلغراد، أما إدارياً فقام بأهم الأعمال إذ دمج الإدارات البيزنطيّة القديمة مع هيكل الدولة العثمانيّة الإداري، وعُرف السلطان بمدى شغفه وحبه للعلم والعلماء، واتقن إلى جانب لغته الأم التركية عدة لغات ومنها العربيّة والعبريّة والفرنسية واللاتينية واليونانية والصربية.
حياة السلطان محمد الفاتح
نشأ وترعرع السلطان محمد الفاتح في مسقط رأسه في كنف والده السلطان مراد الثاني ووالدته هما خاتون، وعندما أتّم سن الحادية عشرة سلّمه والده الحكم على أماسيا حتى يكتسب الخبرة الضروريّة للحكم، وهي عادة أيضاً سارية من الحكام العثمانيين السابقين، وتمكّن من ممارسة السلطة في ظل والده، وتولّدت لديه المعرفة التامة حول محاولات الدولة العثمانية الدؤوبة في السعي لفتح القسطنطينية واقتبس منها الكثير.
ويشار إلى أنّه بالرغم من حب السلطان وشغفه للعلم والعلماء إلا أنّه لم يخضع للتعلّم والتلمذة على يد أحد من المعلّمين الذين أرسلهم له والده، ويقال إنّه لم يختم قراءة القرآن الكريم أيضاً، حتى أرسل إليه والده بالأستاذ أحمد بن إسماعيل الكوراني، وطالبه بأن يضرب ابنه محمد في حال عصيانه للأوامر ومخالفته لها، وبالفعل لم يستقم أمره في التعليم إلا بالضرب، فتمكن من ختم القرآن الكريم خلال فترة وجيزة، أثر الأسلوب الإسلامي في تربية السلطان محمد الفاتح وصقل شخصيّته وجعل منها قياديّة ذات نظرة ثاقبة، كما أصبح ملتزماً ملمّاً بأمور دينه، يجتنب النواهي ويأتي المعروف، وممن أثروا في صقل شخصيّته أيضاً وتربيتها الشيخ آق شمس الدين فكان له فضل كبير على السلطان محمد الفاتح الذي ربّاه على حب توسيع الحركة الجهاديّة في الدولة العثمانية، وكما شجعه على أن يكون المقصود من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في فتح القسطنطينية، فتربعت الفكرة في باله حتى تمكّن من تحقيقها.
وفاة محمد الفاتح
توفي السلطان محمد الفاتح بعد حياة حافلة بالأمجاد تخللتها الفتوحات الإسلاميّة والسعي لخدمة الإسلام بتوسيع رقعته، ففارق الحياة في الثالث من شهر مايو عام 1491م المصادف الرابع من شهر ربيع الأول سنة 886 هجرية عن عمر يناهز ثلاثاً وخمسين سنة، بعد فترة حكم بلغت إحدى وثلاثين سنة، ويذكر بأنه مات مسموماً على يد طبيبه المتأسلم يعقوب باشا.