تقع هذه المنطقة التي سميّت وما زالت تُسمّى حتّى وقتنا المعاصر بصفين في مدينة الرقّة السورية، وتشغل موقعها الجغرافي على ضفاف نهر الفرات الذي يمر في أراضي الجمهورية العربيّة السوريّة، وعلى مقربةٍ وليس بعيداً عن حدود الجمهوريّة العراقيّة، وفيها يقع قبر وضريح الصحابي العظيم عمار بن ياسر، حيث استشهد فيها وهو يقاتل في جيش خليفة المسلمين، علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، في مواجهة الفئة الباغية بقيادة معاوية بن أبي سفيان،في الموقعة المشهورة التي تسمى موقعة صفين.
إنّ المواجهة الكبرى التي وقعت في صفين، بين فئتين من المسلمين، باسم الحق، والعدل، والدين، قد شغلت معظم المؤرخين، من مسلمين وغير مسلمين، وانقسم الرأي فيها عندما وقعت وحتّى يومنا هذا، ما بين حزبٍ يقف في صف علي ويدافع عنه ويلعن معاوية، وحزب يقف في صف معاوية ويلعن علياً، وحزب لا يقف مع هذا ولا مع ذاك وآثر أن لا يلعن أي منهما واكتفى بالقول أنّ كلاهما كان يظن أنّ الحق والصواب إلى جانبه، بالرغم من أنّ نفوسهم استيقنت أنّ الحق يميل إلى جهة علي أكثر من معاوية.
في هذه المعركة تواجه ما يقارب الثمانين ألف مقاتل من جيش علي بن أبي طالب ضد مائة وعشرين ألف مقاتل قاتلوا إلى جانب معاوية بن أبي سفيان، واستمرّت المواجهات على شكل مناوشات ومبارزات من هنا وهناك طيلة ثلاثة أشهر من فصل الصيف الحار، وباءت كل محاولات الإصلاح فيما بينهما بالفشل، فتم الصدام والالتحام الأكبر في نهاية الأمر واستمر لثلاثة أيام متواصلة ذهب ضحيتها آلافاً مؤلّفةً من الطرفين وانحازت كفّة النصر إلى جيش علي، فلجأ معاوية بن أبي سفيان إلى الحيلة واستعان بفكرة التحكيم ،وانتدب عمرو بن العاص حكماُ عنه، وانتدب علي بن أبي طالب مكرهاً أبا موسى الأشعري حكماً باسمه، ولأنّ عمرو بن العاص كان مشهورا بالحيلة والدهاء فقد عرض على أبي موسى الأشعري أن يعزل كلٌ منهما صاحبه عن خلافة المسلمين حقناً للدماء، فما كان من أبي موسى الذي استحسن الفكرة إلا أن قام بعزل علي، فما كان من عمرو إلا أن قال له : أنت قمت بعزل صاحبك أمّا أنا فأبقي على صاحبي ليكون خليفة على المسلمين، فأبى علي هذا التحكيم الجائر، وثارت عليه فئة باتت تدعى لاحقاً بالخوارج كانت في البداية قد قاتلت إلى صفه، فانشغل عن قتال معاوية ولحق بهم ليستأصل شأفتهم، ممّا ساعد معاوية أن يسترد أنفاسه ويلملم جنده من جديد .