بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد،
إن لِلُّغة قيمة جوهرية في حياة كل أمة، فهي الأداة التي تحمل الأفكار، وتنقل المفاهيم، فتُقيم بذلك روابط الاتصال بين أبناء الأمة الواحدة. واللغة هي الترسانة التي تحمي الأمة وتحفظ هويتها وكيانها ووجودها، وتحميها من الضياع والذوبان في الحضارات والأمم الأخرى.
إن لغتنا العربية هي سيدة اللغات، وهي اجمل وافضل وأرقى وأعظم لغة في العالم على الإطلاق، فلا تجاريها وتعادلها أي لغةٍ أخرى في الدقة والروعة والجمال. واللغة العربية هي هوية ولسان الأمة العربية، وهي لغة الأدب والعلم، وهي لغة الحياة بكل معانيها، وهي لغة الضاد، فمخرج هذا الحرف لم تعرفه أي لغة في العالم إلا اللغة العربية، وهي اللغة التي شاء الله عز وجل أن تكون لغة كتابه الكريم، فالله سبحانه وتعالى اصطفاها لتكون لغة كتابه العزيز الذي خاطب به البشرية جمعاء على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وبناءً على هذا، ليس العرب وحدهم هم المطالبون بالحفاظ على العربية وتعلمها، وإنما المسلمون جميعًا مطالبون بتعلمها والحفاظ عليها، فاللغة العربية لغة القرآن والدين، ولا يتم فهم القرآن، وتعلم هذا الدين إلا بتعلم العربية، وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب.
إن اللغة العربية هي بحر زاخر من الألفاظ والمعاني والتراكيب، فهي أوسع لغات العالم بالمفردات والتراكيب، وفيها مدرج صوتي واسع تتوزع فيه مخارج الحروف توزيعًا متعادلًا من الشفتين إلى أقصى الحلق، وقد نَجِد في لغات أخرى غير العربية حروف أكثر عددًا، ولكن مخارجها محصورة في نطاق أضيق ومدرج أقصر، كأن تكون متزاحمة من جهة الحلق، أو تكون متجمعة ومتكاثرة عند الشفتين واللسان. وعلى سبيل المثال، فاللغة الإنجليزية لا يوجد فيها إلا حرفان حَلْقِيَّان فقط، وهما: حرف (A)، و (H)، أما بقية الحروف الحَلْقِيَّة التي نعرفها في لغتنا وهي: الحاء والخاء والعين والغين، فلا وجود لها في اللغة الإنجليزية!
واللغة للعربية تمتاز بالإيجاز، فهو صفة واضحة ومميزة فيها، فنسطيع بهذه الميزة إتمام المعنى المراد بعدد قليل من الألفاظ، أو تكثيف الكثير من المعاني بعدد قليل من المفردات والألفاظ. فعلى سبيل المثال، لو أردنا ترجمة كتاب من اللغة الإنجليزية إلى العربية، فمن المؤكد أن حجمه سينقص بشكل ملحوظ بعد الترجمة.
بالإضافة إلى ما سبق، فاللغة العربية قد أفادت العديد من لغات أخرى مثل: اللغة الفارسية والتركية اللتان تزخران بالألفاظ العربية الأصل. ولو جربنا أن نقارن بين اللغة العربية واللغة الإنجليزية، لاكتشفنا بكل سهولة تفوق اللغة العربية عليها في الكثير من النواحي، فأين الثرى من الثريا؟ فاللغة الإنجليزية - كما وصفها أحد الكُتَّاب - هي: (لمامة من الطرق)! فالآلاف من مفرداتها فرنسية وألمانية الأصل، ومن مفرداتنا الأخرى ما لا يُعْرف أصله! وعلاوة على ذلك، فاللغة الإنجليزية لغة سماعية لا يطِّرد فيها قياس، وألسنة أهلها ملتوية، وكما ذكرنا سابقًا أنه لا يوجد فيها سوى حرفان حلقيان من أصل ستة حروف موجودة في اللغة العربية. كما أن اللغة الإنجليزية قد تعرضت للتحوير الكبير والتبديل على مر القرون، فالإنجليزي لا يمكن أن يفهم كلام أسلافه في العصور القديمة! ومع كل هذه العيوب نجدها منتشرة في العالم، ونجد أنها تحظى بمكانة واحترام من كل شعوب العالم، والكل يطمع بتعلمها!
ونسأل الله أن يرد الوعي لأبناء هذه الأمة، وأن يجعلهم متمسكين بلغتهم العربية العظيمة.