أرسل الله -عز وجل- لعباده رسلاً مبشرين ومنذرين، فكثير من الناس من عاند واتبع هواه، وقلة منهم اهتدت واهتدوا بهدي الأنبياء، وساروا في طريق الله، ومن هؤلاء الأنبياء، الذين أرسلهم الخالق إلى عباده، وذكرهم في كتابه العزيز في أكثر من موضع، نبي الله شعيب. فتعرف على ما هى قصته؟ ولمن أرسل؟ وهل استجاب له قومه؟ وكيف كانت النهاية؟
أرسل الله شعيبا -عليه السلام- رسولاً هادياً لأهل مدين، وعرف -عليه السلام- بخطيب الأنبياء، فقد روي ذلك مرسلاً إلى الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وأهل مدين هم عرباً سكنوا في أرض (معان)، وهي في الأردن بالقرب من قرى لوط -عليه السلام-، وكما ورد في التاريخ أنهم من أولاد مدين بن ابراهيم من الزوجة الثالثة التي تزوجها آخر عمره، وقيل أيضاً إنهم من نسل نبي الله سلام الله عليه، وعلى أية حال، فقد أرسله الله هادياً لقومه داعياً لهم.
ذكرت قصة سيدنا شعيب في القرآن الكريم في مواضع عدة، نذكر منها: "وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ"، إلى آخر الآيات.
أرسل -عليه السلام- إلى قوم كانوا قد جهروا بالكفر، وكانوا يعبدون الأيكة، وهي نوع من الشجر، حيث إنهم تقربوا لها بالعبادة والتبرك والدعوات، قال تعالى: "كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ"، والملاحظ هنا عدم ذكرهم بالإخوة -كما ذكرت الآية السابقة-، حيث إن ما عليه قومه من كفر لا يتناسب مع ذكر لفظ الإخوة، فدعا شعيب قومه، واجتهد عليهم كثيراً.
وبالرغم من كفرهم، فقد ترافق ذلك مع اشتهارهم ببعض المعاصي الأخرى مثل التطفيف في المكيال والميزان، حيث قال تعالى: "وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ".
فقد كانوا يحتالون على الناس، وينقصون المكيال، وإذا كان الكيل لهم يزيدون فيه، وكانوا يقطعون طريق المارة، ويتوعدونهم بسلب أمتعتهم.
استمر شعيب بدعوة قومه، وذكرهم بنعم الله عليهم، وكيف أصبحوا كثرة بعد أن كانوا قلة، وكيف أكرمهم الله، وأمدهم بالنسل، وحفظهم من الأمراض والأوبئة.
ولما استمر قومه على عنادهم وتكذيبهم، رهبهم وخوفهم من عذاب الله، وأخبرهم أنه لا مفر لهم من اللجوء إلى الله، وأنه هو التواب الرحيم.
وبعد تخويف شعيب لقومه من عذاب الله، ما كان منهم إلا أن قابلوا ذلك بالاستهزاء، والسخرية منه، ومن عذاب الله، وأخذوا يقولون له باستهزاء: "هل صلاتك يا شعيب تأمرك أن نترك ما عبد آباؤنا وأجدادنا"، ويقولون له: "إنك أنت الحليم الرشيد"، استهزاء منهم.
فرد عليهم نبي الله، وأخبرهم نهاية حديثه أنه يريد الإصلاح ما استطاع.
ثم خوفهم أن يصيبهم مثل ما أصاب أقوام الأنبياء السابقين، عندما كفروا بما جاءت به الأنبياء، مثل: نوح، وهود، وصالح، ولوط.
ولما رأى -عليه السلام- شدة كفرهم، دعا ربه أن ينصره ومن آمن معه.
نزل العقاب على الكافرين من رب السماء، فورد في بعض الآيات أنهم أهلكوا بعذاب يوم الظلة، وورد أنهم أهلكوا بالصيحة، وورد أنهم أهلكوا بالرجفة. فكانت تلك نهاية القوم الظالمين، ونجى الله نبيه شعيبا ومن آمن معه.