ذكر الله تعالى من صنوف النّاس صنفاً اصطفاهم من خيرة البشر ليكونوا شهداء، فالشّهداء هم من أكرم الخلق وأفضلهم مكانةً عند الله، فهم مع النّبيّين والصّديقيين والصّالحين، وهم الذين أعطاهم الله تعالى من الجوائز ما لم يعطها لغيرهم من النّاس جزاءً لهم على بذل دمائهم رخيصةً في سبيل الله تعالى، وهم من استثنى الله تعالى من صيحة الفزع الأكبر، إذ تبقى أرواحهم بعد الشّهادة عند ربّهم في حواصل طيرٍ خضر تطير وتسرح في الجنّة حيث تشاء، ثمّ تأوي مطمئةً راضيةً إلى قناديل معلّقة حول العرش، وللشّهيد عند ربّه ستّة خصال فهو كما ذكرنا يأمّن من الفزع الأكبر ويغفر له من أوّل قطرةٍ تسقط من جسده ويحلّى حلّة الإيمان ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويزوّج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفّع في سبعين من أهله، ويرى مقعده من الجنّة حتّى تطمئن روحه، ومن كرامات الشّهداء العجيبة أنّهم وكما بين النّبي عليه الصّلاة والسّلام لا يشعرون بمسّ القتل إلّا كما يشعر أحدنا من مسّ القرصة.
والشّهداء هم نوعين كما فصّل العلماء شهداء الدّنيا وشهداء الآخرة، فشهيد الأخرة هو الذي يقاتل الأعداء في المعارك فيقتل، ويشترط إخلاص النّية لله تعالى بحيث تكون نيّة الإنسان أن يقاتل من أجل إعلاء راية الإسلام أو الدّين، أو أن يكون دفاعاً عن نفسه لقول النّبي صلّى الله عليه وسلّم من قتل دون نفسه وماله ودينه فهو شهيد، والشّهيد في هذه الحالة تكون له أحكام معيّنة مثل أنّه لا يغسّل ولا يكفّن ولا يصلّى عليه، بل يدفن وهو على حاله حين استشهد، أمّا النّوع الثّاني من الشّهداء فهو شهيد الدّنيا وهو الذي يقتل بسبب واحدٍ من الما هى اسباب الخمسة التي ذكرها رسول الله عليه الصّلاة والسّلام، ومنها من قتل بسبب الحرق أو الغرق أو بسبب الهدم أو من ماتت بجمع أو بسبب داء في البطن كالسّرطان مثلاً، وشهيد الدّنيا يختلف عن شهيد الآخرة حيث يغسّل ويكفّن ويصلّى عليه.
إقرأ أيضا : حمزة سيد الشهداء
وقد تنافس السّلف الصّالح للظّفر بالشّهادة في سبيل الله لما علموا من فضل الشّهيد ومكانته عند الله، أمّا في عصرنا الحاضر فقد أخذت الشّهادة طابعاً سياسيّاً في بعض الأحيان بحيث أصبحت تطلق على الفاجر والنّصراني، وإنّ منهج السّلف الصّالح أن يحسبوا المرء شهيداً ولو كان صالحاً ولا يزكّوه على الله تعالى.
