يعيش الإنسان في هذه الحياة وهو ينظر إلى قيمٍ معيّنة فيها ويسعى للوصول إليها، كما تعتبر القيم كنوع من أنواع المحدّدات أو الغايات ويعدّ الوصول إليها نوعًا من أنواع النّجاح وعلامة تؤشّر على حسن سير العمل في مراحله السّابقة أو ما يطلق عليه بالتّغذية العكسيّة أو الرّاجعة، فالإنسان مثلًا في مجال الإقتصاد يضع قيمةً معيّنة يرغب في الوصول إليها وتكون هذا القيمة معبّرة تعبيرًا صادقًا وحقيقيّا عن الوضع الذي يصل إليه الإقتصاد، فحين تقول قيمة النّاتج المحلي في بلدٍ معيّن تساوي 10 مليون دينار مثلًا، فهذا يعني أنّ هذه القيمة تعبّر عن مستوى معيّن وواضح قد يعتمد لاحقًا في تقييم الوضع الإقتصادي للبلد، أو قد يعتمد في دراسات وتحليلات إقتصاديّة كثيرة.
وتعبّر القيم أيضًاً عن المبادىء الأخلاقية التي تحكم الأفراد والمجتمعات وتضع لهم ضوابط يستطيعون من خلالها معرفة الصّواب من الخطأ، والصّالح من الضار، والحقّ من الباطل، فحين تتحدث مثلًا عن قيمة التّسامح فهذا يعني أنّك تتحدّث عن قيمة أخلاقيّة ومجتمعيّة نبيلة تحمل النّاس على أن يتسامحوا فيما بينهم إذا أخطا أحدهم في حقّ أخيه، وبالتّالي تشيع روح الأخوة بين النّاس ويبتعدون عن البغضاء والشّحناء، وحين تتحدّث عن قيمة الصّدق فأنت تتحدّث عن قيمة أخلاقيّة وإجتماعيّة كذلك تحمل النّاس على ملازمة الصّدق في أقوالهم والبعد عن الكذب الذي يسبّب كثيرًا من المشاكل وعيوب بين النّاس، كما يفقدهم الثّقة في أنفسهم، وكذلك قيم الشّهامة والنّخوة ونصرة الضّعيف، وقيمة احترام المرأة، فكثيرًا ما نشاهد مجتمعات تنظر إلى المرأة نظرةً دونيّة وكأنّها شيء مادي يعامل معاملة المتاع، بينما المجتمعات التي تحمل قيمة احترام المرأة وتعرف دورها في المجتمع هي المجتمعات التي تمثّل الوجه الحضاري والإنساني للبشريّة وبالتّالي فإنّ القيم هي تقييم للمجتمع وحكم عليه بالرّشد والنّضوج، بينما يمثل الابتعاد عن القيم حالةً سلبيّة يقترب فيها الإنسان من حياة البهائم التي لا تعقل ولا تدرك رسالة الحياة وسننها.
وإنّ مصدر قيم الإنسان قد يكون من خلال الشّرائع السّماويّة التي أنزلها الله تعالى للنّاس، ومن خلال الكتب السّماويّة، وكذلك قد يكون مصدر القيم حكمة النّاس التي اختزلوها من تجاربهم عبر سنين حياتهم، ونحن نشهد في عصرنا الحاضر ابتعاد المجتمعات المعاصرة عن التّمسك بقيمها وحضارتها وما سبّبه ذلك من أزمات إنسانيّة واجتماعيّة واقتصاديّة حيث أهدرت قيمة الإنسان وكرامته على مذبح المصالح الماديّة والمنافع الآنيّة.