هو الفاروق العادل عمر بن الخطاب القرشي الذي فرق بين الحق والباطل حين أسلم، فكان ذخراً للإسلام والمسلمين، وحق له أن يلقبه النبي - عليه السلام- بهذا اللقب لرجاحة عقله وفطنته .
ويكفيه شهادة النبي الصادق الذي لا ينطق عن الهوى : " إنّ الشيطان ليخاف منك يا عمر" وليست هذه الشهادة المحمدية فحسب؛ فقد قال - عليه السلام - عنه : " هذا الرجل لا يحب الباطل "، أي شهادة وتصريح احسن وأفضل من هذا؟ وأي تكريم ومكانة أقوم وأجل من تلك؟ بل أعظم من ذلك أن قال - صلى الله عليه وسلم – فيه : " لو كان بعدي نبي لكان عمر" .
كانت شخصيته –رضي الله عنه - شخصية مرموقة؛ لما أبدى ضروباً من الشجاعة الخارقة التي قل أن تجد لها مثيلاً في ميدان الشجاعة والفداء؛ فقد قال ابن مسعود: "ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر"؛ فبإسلامه ظهر الإسلام، وقويت شوكته، وعلت كلمته، ودعي إليه علانية، وطاف المسلمون بالبيت أعزة، وكان أول من جهر بإسلامه فخراً وقوة، وعند الهجرة الكل هاجر متخفياً إلا عمر؛ فقد أتى الكعبة والملأ من قريش بفنائها، فطاف وصلى عند المقام ،وقال لهم باحتدام: "شاهت الوجوه لا يرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن تثكله أمه، وييتم ولده، وترمل زوجته، فليلقني وراء هذا الوادي "، فما تبعه أحد .
أجمع الناس على غزارة علم الفاروق، وألمعية فهمه وتواضعه، ورفقه بالمسلمين، وإنّصافه ووقوفه مع الحق، وشدة اتباعه للنبي الحق، وحرصه على مصالح المسلمين، فمحاسنه أكثر من أن تستقصى، وسريرته خير من علانيته، فها هو حذيفة بن اليمان يقول : "وكأن علم الناس كان مدسوساً في حجر عمر" .
كان - رضي الله عنه- يقتدي ولا يبتدي، ويتبع ولا يبتدع، ثبت مع النبي – صلى الله عليه وسلم - في غزوة أحد وحنين والفرقان، وأصر على أبي بكر في خلافته ليجمع القرآن، ثم سارع في عهده بقطع شجرة بيعة الرضوان؛ مخافة الشرك بالله والعصيان .
ولا يخفى على أحد حتى اليوم فتح عمر العادل لبيت المقدس الطاهر، وتسطيره موقفاً تاريخياً جديداً؛ بكتابته العهدة العمرية بكل ما فيها من تسامح ديني، وتعايش مع الآخرين، والإحسان الى الذميين، فأين من جدعوا الأنوف، وصلموا الآذان، وازهقوا الأرواح، وهدموا البنيان، وعثوا في الأرض الفساد والطغيان؛ لإختلاف مذهب ديني أو فكري؟ فلا جرم أن قالوا :" كان إسلام عمر فتحاً، وهجرته نصراً، وإمارته رحمة ".
إنّ العدل الفطري لابن الخطاب، وفصله في الخطاب من أبرز السمات التي غلبت على سيرته النقية وسريرته الجلية، فهو ينقض على الظلم والجور؛ كالأسد يثور من براثنه للتخلص من فريسته إذا ما لاحت له بالأفق.
الفارس المغوار البطل الكرار، الفقيه المحدث، التقي النقي ،العدوي القرشي غادر الحياة فصار موته فاجعة عظيمة، وخطباً جللاً على الإسلام والمسلمين؛ فهاجوا وماجوا لاستشهاده، وودوا لو زاد الله تعالى في عمره من أعمارهم، فقد كان حصنهم الحصين طوال خلافته عشرة سنين، ومازالت الخلافة بحاجة ماسة له، ولو لم يكن له بها حاجة، فخرج منها رحمه الله وليس عليه شيء، وله منها الكثير بما أحسن للمسلمين، وبما قدم لهذا الدين .