القضايا المختلفة وفي كافّة الحقول والعلوم والفنون تحتاج على الدوام إلى استقصاء وتمحيص من أجل أن يتم الحكم عليها حكماً جيداً مقارباً للواقع والمنطق والشروط والمنهجيّة العامة التي يسير عليها العلم أو الحق، الأمر الّذي يساعد على الاستفادة منها وبشكل كبير ومعرفة الحقيقة، ولهذا السبب ظهر لدينا ما يعرف بالبحث العلمي والّذي يعدّ المنهجيّة المتّبعة في عملية جمع البيانات وتحليلها تحليلاً موضوعياً بعيداً عن التحيّزات والأهواء التي لا معنى لها، وباتباع الأساليب المختلفة المتعارف عليها داخل دائرة الحقل المعرفي الذي تنتمي إليه هذه القضية التي يجري معالجتها ممّا سيعمل وبشكل كبير جداً على الوصول إلى نتيجة جيدة جداً في النهاية أو اجتهاد قد يكون فيه صواب وفيه خطاً يساعد في تطبيقه على أرض الواقع والاستفادة منه إلى أبعد حد ومدى ممكنين.
ممّا سبق نلاحظ أنّ للبحث العلمي خط أساسي، وهو يبدأ من وجود قضيّة تثير العديد من التساؤلات المختلفة والمتنوّعة في عقل الباحث، مما يدفعه إلى الالبحث عن هذه المسألة التي حيرته، والبحث عنها يكون باختيار المصادر والمراجع الموثوقة التي تتكلّم عن هذا الموضوع وبشكل مسهب، ثمّ البحث في كافة الأقوال والنظريات التي وضعت لتفسير هذه القضية وما تتضمّنها من مشكلات فرعية، ثم إجراء محاكمة علميّة لكل قول أو نظريّة من النظريّات؛ بحيث تتّسم هذه المحاكمة بالدقّة والمنهجيّة الواضحة والصرامة العلميّة لاستثناء وإبعاد كافة النظريات التي تخالف الحقيقة، وبالتالي الوصول إلى النتيجة المرجوّة.
هناك أنواع من الأبحاث العلميّة التي لا تحتاج إلى نصوص أخرى وكتب وما إلى ذلك، وإنّما تحتاج إلى الاستبصار والوعي التام وتنقية الذهن والمخ من أيّة مؤثرات خارجية، بالإضافة إلى ضرورة وجود الأدوات التي تساعد على القيام بهذا البحث، وهذا النوع من أنواع البحوث بلا شك أنّ من يقوم به يكون على قدرٍ جيّد من الذكاء الّذي يعينه على القيام بهذه المهمة، ومن ضمن أبرز أنواع هذه الأبحاث هي الأبحاث التي تكون في الكتب المقدّسة والتي تسمى بالأبحاث الاستقرائيّة، وهذه الأبحاث تتكوّن من ثلاثة أمور، الأوّل: وهو أن يقوم الباحث بدراسة النص دراسةً عميقةً، وملاحظة الفكرة الأساسيّة التي يتحدث عنها، ثمّ وبعد ذلك يقوم بتفسير النص والإجابة عن معنى هذا النص، وأخيراً يتوجّب على الباحث أن يبحث وبشكل كبير عن الطريقة التي سيطبّق فيها التفسير الذي قد توصّل إليه من خلال بحثه واستفاضته في هذا الموضوع.