من سنن الله سبحانه في الحياة صعود الدّول و هبوطها ، فقد بيّن الله سبحانه و تعالى تلك الحقيقة في الآية الكريمة حيث قال ( و تلك الأيّام نداولها بين النّاس ) ، و قد شهد التّاريخ صعود الكثير من الدّول أمثال الدّولة اليونانيّة و البيزنطيّة ، و قد انتهت تلك الدّول وزالت بزوال ما هى اسباب نهوضها و اتساعها ، و قد كانت الدّولة العثمانيّة إحدى الأمثلة على تلك الدّول التي اتسعت و انتشرت أرجاؤها حتى وصلت أوروبا و افريقيا و آسيا ، و أصبحت تسيطر على كثيرٍ من البلدان العربيّة و الإسلاميّة و الغربيّة ، و قد استمرت الدّولة العثمانيّة ما يقارب ستمائة سنة حيث أسّسها عثمان الأول سنة 1299 ، فاستمرت بين انحدارٍ و نهوضٍ و شهدت فتنٌ داخليّةٌ ، و لكن أمور الدّولة بلغت ذروة التّطور و التّمكين في الأرض في عهد السّلطان سليمان الذي لقّب بالقانوني و لقّبه الغرب بالرّجل العظيم ، و كذلك كان السّلطان محمد الذي لقّب بالفاتح من أشهر سلاطين الدّولة العثمانيّة حيث قام بفتح القسطنطينيّة و سمّاها باسلامبول أي مدينة الإسلام ، و قد مرّت الدّولة العثمانيّة شأنها شأن كلّ الدّول بفترات ضعفٍ و تشرذمٍ و صلت ذروتها في عهد السّلطان عبد الحميد حيث لقبت تركيا بالرّجل المريض ، و قد ظهرت حينئذٍ بوادر انشقاقات في المجتمع حيث أسّست مجموعة سمّيت بحزب تركيا الفتاة ، دعت إلى الرجوع إلى القوميّة التّركيّة و التّمسك بها ، و اتّحد رجال السّياسة و الجيش مشكّلين تنظيماً سمّي بتنظيم الاتحاد و التّرقي ، و برز حينئذٍ اسم مصطفى كمال أتاتورك الذي استطاع الدّفاع عن أراضي الدّولة التّركيّة ، و وقّع في نهاية المطاف مع دول الحلفاء اتفاقية لوزان الشّهيرة التي نصّت على انسحاب الدّولة العثمانيّة و تخليها عن الأراضي غير التّركيّة ، و قد أنهى مصطفى أتاتورك الخلافة و طرد الخليفة خارج تركيا منهياً رسميّاً سلطان الدّولة العثمانيّة عام 1924 .
و لعلّ أبرز الما هى اسباب التي أدّت إلى سقوط الدّولة العثمانيّة بعد حكامها عن منهج الشّريعة الإسلاميّة ، كما كانت الأطماع الغربية تتوجّه نحو تفتيت تلك الدّولة و تقسيم تركتها ، إلى جانب المؤامرات التي حيكت في الخفاء و كان لليد الصّهيونيّة دورٌ واضحٌ في ذلك .
