إنّ الموت على الإنسان حقّ، وكلّ نفس ذائقة الموت، ولكلّ أجل كتاب، وأنّى كنتم يدرككم الموت حتى وإن كنتم في بروج مشيّدة، ولم يعرف عن إنسان أنّه قد تخلّد، فمن التراب وإلى التراب جميعناً يوماً ما سوف نعود، وفي هذا المقال سوف نتطرّق إلى الملائكة، كيفيّة موتهم، ومن هو ىخر من يموت منهم.
كيف يموت ملك الموت
بقد قضى الله عزّ وجلّ بالموت على جميع المخلوقات، وذلك بما فيهم الملائكة الكرام، وإنّ ملك الموت هو آخر من يموت من الخلائق، قال المناوي في فيض القدير:" وأمّا الملائكة: فيموتون بالنّص والإجماع، ويتولى قبض أرواحهم ملك الموت، ويموت ملك الموت بلا ملك الموت، والدّليل على موت ملك الموت وغيره، قول الله عزّ وجلّ:" كلّ شيء هالك إلا وجهه "، القصص/88 ".
وبذلك فإنّ آخر من يموت هو ملك الموت، ففي الدرّ المنثور للسيوطي:" وأخرج ابن مردويه والبيهقي في البعث عن أنس رفعه في قوله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ.... قال: فكان ممن استثنى الله جبريل، وميكائيل، وملك الموت، فيقول الله، وهو أعلم: يا ملك الموت من بقي؟ فيقول بقي وجهك الكريم، وعبدك جبريل، وميكائيل، وملك الموت، فيقول: توفّ نفس ميكائيل، ثمّ يقول -وهو أعلم- يا ملك الموت من بقي؟ فيقول بقي وجهك الكريم، وعبدك جبريل، وملك الموت، فيقول: توف نفس جبريل، ثم يقول -وهو أعلم-: يا ملك الموت من بقي؟ فيقول: بقي وجهك الباقي الكريم، وعبدك ملك الموت وهو ميت. فيقول: مت. ثم ينادي أنا بدأت الخلق، وأنا أعيده فأين الجبارون المتكبرون؟ فلا يجيبه أحد، ثمّ ينادي لمن الملك اليوم، فلا يجيبه أحد، فيقول هو لله الواحد القهار: ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ ".
وقد أخرج ابن المنذر عن جابر:" فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ... قال: استثنى موسى عليه السّلام لأنّه كان صعق قبل "، وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه:" إلا ما شاء الله.. قال: هم حملة العرش ".
وفي تفسير ابن كثير:" هذه النّفخة هي الثّانية، وهي نفخة الصّعق، وهي التي يموت بها الأحياء من أهل السّموات والأرض إلا من شاء الله، كما جاء مصرّحاً به مفسّراً في حديث الصّور المشهور، ثمّ يقبض أرواح الباقين حتى يكون آخر من يموت ملك الموت، وينفرد الحي القيوم الذي كان أوّلاً، وهو الباقي آخراً بالدّيمومة والبقاء.. ويقول (لمن الملك اليوم) ثلاث مرات ثم يجيب نفسه بنفسه فيقول: لله الواحد القهار ". (1)
موت الملائكة
إنّ الملائكة عليهم السّلام يموتون كما يموت الأحياء سواهم، ويدلّ لذلك كما قال القرطبي وابن حجر قول الله تعالى:" كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ "، القصص/88، وقد قال المناوي في فيض القدير:" وأمّا الملائكة فيموتون بالنّص والإجماع، ويتولّى قبض أرواحهم ملك الموت، ويموت ملك الموت بلا ملك الموت ".
ولا يستبعد أنّهم يعانون من سكرات الموت، وذلك كما يعاني منها غيرهم، يقول الله سبحانه وتعالى:" وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ "، ق/19، وفي البخاري أنّ الرّسول - صلّى الله عليه وسلّم - كان يقول:" لا إله إلا الله، إنّ للموت لسكرات "، وفي المستدرك عن عائشة رضي الله عنها قالت:" لقد رأيت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - وهو بالموت، وعنده قدح فيه ماء، وهو يدخل يده في القدح، ثمّ يمسح وجهه بالماء، ثمّ يقول: اللهم أعنّي على سكرات الموت "، والحديث صحّحه الحاكم ووافقه الذّهبي. (2)
سكرات الموت
إنّ للموت سكرات لا بدّ أن يمرّ بها كلّ إنسان، ولا بدّ منها لكلّ نفس، وهي تعتبر شديدةً جدّاً على الكفّار، ومن الممكن أن تشتدّ كذلك على بعض المؤمنين لرفع درجاتهم، وتكفير سيّئاتهم، كما قد تكون خفيفةً على الكثير منهم، فقد قال الله سبحانه وتعالى:" كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ "، وقال سبحانه وتعالى:" وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ "، ق/19، وقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم:" إنّ للموت سكرات "، رواه البخاري.
والنّاس متفاوتون في درجات سكرات الموت، قال صاحب روح المعاني:" كل نفس تتألم بالموت.. لكنّ ذلك مختلف شدّةً وضعفاً... "، وبالتالي فإنّ كلّ من يموت يناله من سكرات الموت وآلامها ما قدّره عليه الله سبحانه وتعالى، إلا أنّ الأغلب أنّها تكون خفيفةً على المؤمنين وشديدةً على الكفّار، وقد قال الله سبحانه وتعالى في حقّ الكافر:" وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ "، لأنفال/50، وقال سبحانه وتعالى:" وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ "، الأنعام/93.
وإنّ هذا التّخفيف على المؤمنين عند خروج الرّوح لا يتنافى مع فكرة أنّه قد يشدد عليه شيء ما أثناء احتضاره، أو بطريقة الموت نفسها، وذلك كما ذكر عمرو بن العاص رضي الله عنه، ففي المستدرك:" أنّه كان عمرو بن العاص يقول: عجباً لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه، فلمّا نزل به الموت قال له ابنه عبد الله: فصف لنا الموت وعقلك معك، فقال: يا بنيّ الموت أجلّ من أن يوصف، ولكنّي سأصف لك منه شيئاً أجدني كأنّ على عنقي جبال رضوى، وأجدني كأنّ في جوفي شوك السّلاء، وأجدني كأنّ نفسي تخرج من ثقب إبرة ".
وهذا الوجع أثناء سكرات الموت لا يدلّ على نقص في منزلة المسلم عند الله، فرسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - وهو سيّد ولد آدم أجمعين كان يقول عند موته:" لا إله إلا الله إنّ للموت سكرات "، رواه البخاري عن عائشة.
وفي رواية في الصّحيح أنّها كانت تقول:" فلا أكره شدّة الموت لأحد أبداً بعد النّبي صلّى الله عليه وسلّم "، قال في تحفة الأحوذي :" .. لمّا رأيت شدّة وفاته علمت أنّ ذلك ليس من المنذرات الدّالة على سوء عاقبة المتوفّى، وأنّ هون الموت وسهولته ليس من المكرمات "، وقال الحافظ:" وفي الحديث أنّ شدّة الموت لا تدلّ على نقص في المرتبة، بل هي للمؤمن إمّا زيادة في حسناته، وإمّا تكفير لسيئاته ". (3)
المراجع
(1) بتصرّف عن فتوى رقم 98757/ آخر من يموت من المخلوقات / 5-9-2007/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(2) بتصرّف عن فتوى رقم 51993/ موت الملائكة/ 12-8-2004/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(3) بتصرّف عن فتوى رقم 71977/ سكرة الموت وشدته/26-2-2006/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net