قال تعالى {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}، ذكر كثير من المفسرين أن المراد ببيت العنكبوت في هذه الآية هو البيت المادي بمعنى المسكن الذي تتخذه العنكبوت سكنا لها، وهذا البيت وصف بأنه أوهن البيوت لأنه لا يحقق للعنكبوت الحماية من العوامل البيئية الخارجية مثل: المطر، والحر، والبرد، والشمس، والأتربة ، فهو لا يغني عنها شيئاً.
ولكن العلم الحديث يثبت أن نسيج العنكبوت هو من أقوى الأنسجة الطبيعية ، وأن صلابته تزيد على صلابة الحديد الصلب حتى سمي بالصلب الحيوي، وأن مسكن العنكبوت هو من أقوى البيوت المعروفة من ناحية متانة نسجه الذي يستطيع أن يقاوم الرياح العاتية، ويمسك في نسجه فرائس العنكبوت فلا تستطيع منه فكاكا، فهي مثلاً تستطيع إيقاف نحلة يزيد حجمها عن حجم العنكبوت مرات عديدة وهي تطير بسرعة (32) كلم في الساعة بدون أن تتأثر شبكة بيت العنكبوت أو تتمزق.
فهل هناك تعارض بين الآية ، وهذه الحقيقة العلمية ؟
بادئ ذي بدء من المحال وجود تعارض بين الحقائق القرآنية والحقائق العلمية الثابتة ، لأن مُنزل القرآن الكريم هو الله تعالى ، وهو خالق الأكوان وما فيها ، فلا تعارض والمصدر واحد، يقول تعالى {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} في هذه الآية يضرب الله المثل لحال الكفار في اتخاذهم ما يحسبونه دافعا عنهم وهو أضعف من أن يدفع عن نفسه، بحال العنكبوت تتخذ لنفسها بيتا تحسب أنها تعتصم به من المعتدي عليها فإذا هو لا يصمد ولا يثبت لأضعف تحريك فيسقط ويتمزق. [التحرير والتنوير]
وهنا سنتوقف للالبحث عن معاني كلمة البيت ، وعن معيشة العنكبوت، كلمة البيت في اللغة : الباء والياء والتاء أصل واحد، وهو المأوى والمآب ومجمع الشمل. ومنه يقال لبيت الشعر بيت على التشبيه لأنه مجمع الألفاظ والحروف والمعاني، على شرط مخصوص وهو الوزن. وتطلق كلمة البيت على إمرأة الرجل وعياله ، أي الأسرة.
أما العنكبوت : فهو أمّة من الأمم ، ويوجد في العالم أكثر من ثلاثين ألف نوع من العناكب تتفاوت في الأحجام والأشكال ، والإناث أكبر حجمًا من الذكور. وقد اكتشف العلماء أن الحياة في أسرة العنكبوت عجيبة جدا حيث تقوم الأنثي بنسج البيت ، ومن عجيب التعبير القرآني في قوله تعالى {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا} ، أنه عبر أن أنثى العنكبوت هي التي تتخذ البيت ، فلو كان الذكر هو الذي يتخذ البيت لقال اتخذ بيتا ، وما أثبته العلماء حديثا أن الأنثى هي التي تقوم بنسج البيت ، ثم تدعو الذكر ليتزاوج معها ، فإذا أتم الذكر التزواج ينتهي أمره إلى أحد الأحوال التالية :
- يهرب من بيت الأنثى.
- تأكله الأنثى.
- تحبسه الأنثى في بيتها ليقوم الأبناء بقتله وأكله بعد أن يخرجوا من البيض..
وعندما يفقس البيض تخرج العناكب الصغار ، فتجد نفسها في مكان شديد الإزدحام بالأفراد داخل كيس البيض، فيبدأ الإخوة الأشقاء في الإقتتال من أجل الطعام ، أو من أجل المكان ، أو من أجلهما معا ، فيقتل الأخ أخاه وأخته، وتقتل الأخت أختها وأخاها حتى تنتهي المعركة ببقاء عدد قليل من العنيكبات ، وتقوم الأنثى بتغذية الصغار حتى إذا اشتد عودهم قتلوا أمهم وأكلوها، فهذه العلاقات الأسرية الهشة الضعيفة بين أفراد بيت العناكب القائمة على المصالح تجعل هذا البيت بحق أَوْهَى بيوت المخلوقات المعروفة.
يقول الدكتور / صلاح رشيد : كلمة (بيت) بمعنى امرأة الرجل وعياله. وقد أثبت العلم الحديث أن العلاقة الأسرية بين العناكب علاقة تحكمها المصلحة حتى إذا انقضت المصلحة انقلبوا أعداء يقتل بعضهم بعضاً ، ولا تجتمع هذه الخصال السيئة والعلاقات الهشة في اى بيت لمخلوق آخر مما يجعل بيت العنكبوت بمعنى المرأة والأولاد هو أوهن بيوت المخلوقات قاطبة.
وعلى ذلك فيكون معنى لفظ البيت في الآية العلاقات الأسرية، فإن وصف القرآن الكريم له بأنه أوهن البيوت يتطابق مع ما بينه الله تعالى لعباده من خلال ملاحظات العلم الحديث لحياة العناكب. ويكون وجه الشبه في المثال المضروب في القرآن الكريم واضحا جدٌّا حيث إن الذين يتخذون من دون الله أولياء إنما يتخذونهم لمحاولة تحقيق مصالح دنيوية حتى إذا تحققت هذه المصالح انقلبوا أعداء، إما في الدنيا أو في الآخرة، وهذه العلاقة المؤقتة والمصلحة الآنية تنطبق على العنكبوت وأهل بيته.
وعلى ذلك يمكن أن نقول : إن الوهن الذي وصف الله تعالى به بيت العنكبوت هو :
وهن في العلاقات الاجتماعية والحيوية في هذا البيت، فبيت العنكبوت من الناحية المعنوية هو أوهن بيت على الإطلاق فهو بيت محروم من معاني المودة والرحمة التي يقوم على أساسها كل بيت سعيد، وهن في عدم الحماية من العوامل البيئية الخارجية مثل: المطر، والحر، والبرد، والشمس، والأتربة كما قال بعض المفسرين قديماً .
والله تعالى أعلى واعلم.