وما خلقت الجن والانس
لقد خلقنا الله تعالى لعبادته ، وأعظم العبادات أركان الإسلام الخمسة ، وقد تكلمت تفصيلاً عن الركن الأول شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وباقي الأركان هي : إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلى .
في هذه الآيات يبين الله تعالى الغاية من خلق الخلق بنوعيه من الانس والجن ، وهى "إلا ليعبدون" ومعنى العبادة في اللغة: التذلل والانقياد، فكل مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله ، متذلل لمشيئته لا يملك أحد لنفسه خروجًا عما خلق عليه..... والظاهر أن المراد بها ما كانت بالاختيار دون التي بالتسخير الثابتة لجميع المخلوقات.... فتأمل ، فالمراد بالعبادة التذلل والخضوع لا بالتسخير لأن الكل عابدون إياه تعالى بالتسخير لا فرق بين مؤمن ، وكافر ، وبر ، وفاجر ، وطير وحيوان وجمادات واحياء، كما في قوله تعالى : " والنجم والشجر يَسْجُدَانِ " [ الرحمن : 6 ]...فهذه عبادة بالتسخير .... وكما فى قوله تعالى : " ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11).
ويؤيد ذلك ما قاله علي بن أبي طالب رضى الله عنه : "إلا ليعبدون" أي إلا لآمرهم أن يعبدوني وأدعوهم إلى عبادتي ، ويؤيده قوله عز وجل: " وما أمروا إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا "
وقيل: "إلا ليعبدون" إلا ليوحدوني ، فأما المؤمن فيوحده في الشدة والرخاء، وأما الكافر فيوحده في الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء، بيانه قوله عز وجل : "فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين ومثل هذه الآيات يأتى لبيان صنيع المكذبين حيث تركوا عبادة الله تعالى وقد خلقوا لها !!!
فقوله : " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " خبر مستعمل في التعريض بالمشركين الذين انحرفوا عن الفطرة التي خُلقوا عليها فخالفوا سنتها اتباعاً لتضليل المضلين . واللام في " ليعبدون " لام العلة ، أي ما خلقتهم لعلة إلا علة عبادتهم إياي . والتقدير : لإِرادتي أن يعبدون ، ويدل على هذا التقدير قوله في جملة البيان : " ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون".
أي ما أرضَى لوجودهم إلا أن يعترفوا لي بالتفرد بالإِلهية. فمعنى الإِرادة هنا : الرضى والمحبة.
ونخلص مما تقدم بأن الله تبارك وتعالى خلق الخلق ليعبدوه وبالإلهية يفردوه ، وهذا حقه على الخلق ، فمنهم من حقق الغاية التى ما خلق الله الخلق الا لأجلها وقام بمقتضى حق ربه عليه ، وهم المؤمنون ، ومنهم من كفر وخالف وعارض قصد الله ومراده من خلق الخليقة وهم الكافرون..... ومن هنا يتقرر أن عبادة الخلق لربهم وخالقهم – الله الحكيم العزيز – هى حقه الخالص الذى يلزم الخلق جميعا أداءه والقيام بموجباته وانه أمر لازم حتم لااختيار فيه .