نشأت الحاجة إلى علم الكلام عندما رأى العلماء و المفكّرون ظهور عددٍ كبيرٍ من الحركات الباطنيّة التي استهواها الكلام و النّقاش للدّفاع عن معتقداتٍ و أفكارٍ باطلة ، و قد اشتهر المعتزلة من بين الحركات و الجماعات التي تبنّت علم الكلام للدّفاع عن معتقداتها ، و قد تبنّت المعتزلة أفكاراً غريبةً مستحدثةٍ في الدّين حيث قالوا بأنّ القرآن الكريم هو مخلوق ، و بالتّالي يجري عليه ما يجري على المخلوقات من التّغيير و الإحداث ، و بالتّالي نفي صفة الإعجاز عنه ، و قد أدّى تبنّي المعتزلة لهذه الفكر إلى المصادمة مع علماء أهل السّنة ، و قد وجدوا في الخليفة المأمون خير نصيرٍ لهم في أفكارهم ، فقد تبنّاها و حاول نشرها بالقوّة ، بل إنّه كان يحاور العلماء في هذه المسألة فإذا وجدهم يتبنّون رأياً غير ذلك الرّأي اعتقلهم و سجنهم ، و كان من بين من تعرّض لهذه الفتنة الإمام أحمد بن حنبل الذي اعتقل و سجن بسبب عدم اعتقاده بأنّ القرآن مخلوق و إنّتعرف ما هو كلام الله تعالى المعجز المتعبّد بتلاوته كما ورد في تعريف ومعنى علماء السنّة له ، و قد انتهت هذه الفتنة و أخرج الإمام أحمد بن حنبل من السّجن في عهد الخليفة العباسي المتوكل بالله .
و يقسّم عددٌ من العلماء علم الكلام إلى قسمين مذمومٌ و ممدوحٌ ، فما كان مذموماً منه ما كان هدفه الجدال و الدّفاع عن أفكارٍ باطلةٍ أو كلّ ما يتعلّق بالهوى و النّقاش لأجل النّقاش و ليس للدّفاع عن معتقداتٍ صحيحةٍ أو تصحيح عقائد باطلة ، أو بيان معاني آيات الله بما صحّ وروده عن النّبي صلّى الله عليه و سلّم و الصّحابة الكرام ، و قد ورد عن الإمام علي بن أبي طالب و ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنّهم حاوروا الخوارج و أقاموا عليهم الحجّة بالبرهان و الدّليل القاطع ، كما اشتهر عن الإمام أبي حنيفة النّعمان حواراته مع الملاحدة حيث كان يضع نصب عينيه و هو يجادلهم تبيان الحقّ لهم بالحكمة و الموعظة الحسنة و الدّليل القاطع ، فالأصل في الدّين أنّ الكلام مكروهٌ و الجدال مذموم حيث قال النّبي صلّى الله عليه و سلّم ( أنا زعيم ببيتٍ في ربض الجنّة لمن ترك المراء و لو محقاً ) .