عادةً ما يترجم الإنسان عمّا يجول في خاطره من أفكار وعواطف ومشاعر وآراء مستخدماً كلمات وعبارات لغوية منتقاة بعناية لإيصال ما يشعر به إلى الآخرين بأسلوب مفهوم وتعريف ومعنى وواضح وهذا ما يسمى الأدب والذي يعد من أرقى أساليب التعبير الإنساني، ويتنوع الأدب بين الأدب البوليسي، والأدب الإيروتيكي، والأدب الإلكتروني بالإضافة إلى الكثير من الأنواع، إلّا أنّ ما سنتحدث عنه في هذا المقال هو أدب الرحلات.
أدب الرحلات أو كما يسمى أحياناً السفرنامة، وهو أحد أنواع الأدب الذي يستخدمه الكاتب لوصف جميع ما مرّ به من مغامرات وأحداث ومشاهدات خلال قيامه برحلة إلى أحد البلدان، وعادةً ما يقوم الكُتّاب بوضع جميع هذه الأوصاف ضمن كتب تدعى "كتب الرحلات"، والتي تشكل أهم المصادر التاريخية والسياسية والجغرافية لدى الكثيرين، فالكاتب وضع جميع المعلومات في كتابه هذا بناءً على المشاهدات الحية التي رآها بشكل مباشر، وكتب الرحلات كثيرة ومتعددة، ومن أمثلتها كتاب رحلات عبر المغرب.
كتاب رحلات عبر المغرب هو أحد الكتب التي تنتمي إلى أدب الرحلات، والذي كان من تأليف الرحالة الإسباني علي باي العباسي، وصف فيه رحلته التي قام بها إلى المغرب، بحيث وصف فيه طريقة دخوله إلى المغرب وتقربه من المجتمع المغربي، وحياته معهم وكيف أنهم إحترموه ووقروه ورفعوا من مكانته، كما أنه قام بوصف علاقته بالأشخاص ذوي النفوذ وبالسلطان في ذلك الوقت، وكيف كان يتصرف في جميع المواقف، أمّا نهاية كتابه فوصف فيها طريقة خروجه من المغرب، وكشف فيها عن ذكاء المغاربة الحاد في كشف شخصيته الحقيقية، وكُتب هذا الكتاب باللغة الإسبانية إلّا أنّه تمت ترجمته في ما بعد إلى اللغة العربية بواسطة الباحث الأديب الدكتور مزوار الإدريسي.
وعلي باي العباسي هو رحالة وجاسوس ومغامر ومستشرق إسباني، اسمه الحقيقي "دومينغو فرانشيسكو باديا"، ولد في الأول من أبريل عام1767 في برشلونة، وتوفي عام 1818 في دمشق، وقد عُرف باسم علي باي في المجتمع العربي، فقدد طاف دومينغو العديد من البلدان حول العالم، كالمغرب، طرابلس، قبرص، مصر، الجزيرة العربية، لبنان، سوريا، الأردن، فلسطين، وتركيا، وكتب العديد من الكتب في وصفها، وقد كان دومينغو أول إسباني غير مسلم تطأ قدمه الأراضي المقدسة، بحيث ذهب لأداء الحج ظاهرياً متقمصاً شخصية وجيه مسلم، كما شهد الغزو على مكة من قبل الحركة الوهابية عام 1807 .
وتم تخليد اسم علي باي في التاريخ على أنه أشهر رحالة جاسوس في المغرب في القرن التاسع عشر الميلادي، فقبل توجهه إلى المغرب ذهب إلى لندن ليختن نفسه على يد طبيب يهودي، ثم تنكر في زي العرب مدعباً أنه من الشرفاء أحفاد الرسول عليه الصلاة والسلام، وأنه قد ولد في الشام في مدينة حلب، وكان لرحلته هدف محدد ألا وهو التسهيل على الإسبان إحتلال المغرب، فوضع لذلك مخططين، فكان الأول يقتضي بأن يعمل على إقناع و ماسك السلطان المغربي المولى سليمان بن محمد للقبول بالحماية الإسبانية على المغرب، وذلك لإبعاد المطامع الإنجليزية والفرنسية عن المغرب، حتى لا يشكّلون عائق أمام احتلال الإسبان للمغرب، ومخططه الثاني كان عبارة عن خطة بديلة في حال فشل المخطط الأول فإنه سيقوم بإيقاظ بعض الثوار ودعمهم حتى يقوموا بزرع الفتن الداخلية في البلاد لإضعافها وبالتالي تسهيل احتلالها من قبل الإسبان، وكان دومينغو يتلقى الدعم دائماً من الملك الإسباني كارلوس الرابع