العصر الأموي
نشأت الدولة الأموية على يد معاوية بن أبي سفيان، بعد أن تنازل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن الحكم؛ لتوحيد صفوف الإسلام، ودرءا للفتنة، ورغبة في قمع الفتنة، فاستقرت بها الدولة الإسلامية بعد كثير من المعارك والحروب، واعتبر العصر الأموي الدولة الإسلامية الشرعية الثانية في التاريخ، بعد فترة العصر الإسلامي الذي حكم فيه الخلفاء الراشدون.
بعد أن استقرت الدولة الأموية واختفت المعارك بشكل عام، اتجه الخلفاء، على رأسهم مؤسس الدولة معاوية بن أبي سفيان، إلى بناء الأعمدة الأساسية فيها، فأنشأ الدواوين، ونظم المراسلات، وأرسى القواعد السياسية للدولة، كما عزز الفتوحات الإسلامية وشجع على الجهاد. ونجد الخلفاء الأمويون قد اهتموا بالعلم والشعر تماما كاهتمامهم بأمور الدولة المختلفة، فتنوعت الموضيع والمدارس والطوائف الشعرية. [?]
الشعر في العصر الأموي
أجمع المؤرخون أن الشعر في الأموي كان صقلا للآداب الجاهلية، وولادة الآداب الإسلامية، ثم بدأت حركة الترجمة من اللغات الأخرى إلى العربية، [?] إلا أن الجدير بالذكر أن الشعر في العصر الأموي انقسم إلى طوائف سياسية عديدة، كل شاعر عبر بآرائه واتجاهه السياسي في شعره، إلى جانب شعر الغزل العذري الذي توضحت سماته الفنية في هذا العصر، إضافة إلى الطوائف الأخرى، مثل شعراء النقائض، وشعراء الطبيعة، وشعراء الزهد، وشعراء اللهو والمجون وغيرهم. [?]
أهم شعراء العصر الأموي
ما يأتي أهم شعراء العصر الأموي مقسمين حسب الميول الشعرية:
شعراء المديح والهجاء
من أهم المواضيع الشعرية انتشارا وتوسعا، إذ جاء المدح متأثرا بالاتجاهات السياسية والحزبية، ولهذا الأمر أصبح طريقة للتكسب خاصة لدى شعراء الأمراء والخلفاء، وأصبح الشعراء يسعون جاهدين ليحظوا على هذه المرتبة العالية المميزة، وهذا الأمر جعل المديح مليئا بالطمع والكذب والنفاق الواضح. ومع تطور المديح تطور الهجاء معه، وتنوع وتفرع، لتدخل فيه الفرق السياسية، والمذهبية، والطائفية، والقبلية، والفردية أيضا.[?]
الطرماح بن الحكيم، شاعر فحل من شعراء العرب، ولد وتربى في الشام ثم انتقل إلى الكوفة ليصبح معلما فيها، وكان من الخوارج، كان هجاء مميزا، صديقا للشاعر الكميت والذي كان بدوره أحد شعراء المديح المميزين في ذلك العصر. قال فيه الجاحظ أنه كان قحطانيا عصبيا.[?]
من جميل ما قاله الطرماح في الهجاء ما يأتي:
إن بمعن إن فخرت لمفخرا
وفي غيرها تبنى بيوت المكارم
متى قدت يا بن العنبرية عصبة
من الناس تهديها فجاج المخارم
إذا ما ابن جد كان ناهز طيئا
فإن الذرى قد صرن تحت المناسم
فقد بزمام بظر أمك، واحتفر
بأير أبيك الفسل كراث عاسم
شعراء النقائض
شعر النقائض هو نوع من أنواع شعر الهجاء بين شاعرين أو أكثر، يقوم الأول بنظم صيدة يمدح فيها نفسه ويذم الشاعر أو الشعراء الآخرين، فينظم الشاعر الآخر قصيدة يمدح فيها نفسه ويذم الشاعر الأول، بحيث تكون القصيدة موزونة على نفس القصيدة الأولى وقافيتها، إلا أنها تفوقها في المعاني.[?]
من أشهر شعراء النقائض في العصر الأموي: جرير، والأخطل، والفرزدق:
- الأخطل: غياث بن غوث بن الصلت بن طارقة، شاعر عربي نصراني من بني تغلب، نشأ نشأة سوء فلقب بالأخطل أي السفيه. كان مقربا من الخلفاء الأمويين، فقد كان مداحا لهم، تميز بألفاظه الجميلة، ونظمه الحسن للشعر. هو صاحب المقولة الشهيرة: جرير يغرف من نهر، والفرزدق ينحت في الصخر، فهجاه الفرزدق، فتحولت هذه الحادثة إلى معركة حياتية بينهما، ودخل فيها جرير ليصبحوا ثلاثا. نظم في جميع المواضيع الشعرية، إلا أن للخمر كان حضور واستئثار واضح على شعره.[?]
من جميل ما قاله الأخطل ما يأتي:
أجرير إنك والذي تسمو له
كأسيفة فخرت بحدج حصان
حملت لربتها، فلما عوليت
نسلت تعارضها مع الأضغان
أتعد مأثرة لغيرك ذكرها
وسناؤها في غابر الأزمان
في دارم تاج الملوك وصهرها
أيام يربوع مع الرعيان
متلفف في بردة حبقية
بفناء بيت مذلة وهوان
يغذو بنيه بثلة مذمومة
ويكون أكبر همه ربقان
سبقوا أباك بكل مجمع تلعة
بالمجد، عند مواقف الركبان
فإذا رأيت مجاشعا قد أقبلت
رجحوا، وشال أبوك في الميزان
فإذا كليب لا توازن دارما
عفواته وسهولة الأعطان
فاخسأ إليك كليب، إن مجاشعا
وأبا الفوارس نهشلا أخوان.
- جرير: هو واحد من أبرز شعراء العصر الأموي، ولد في العام الثالث والثلاثين، وتوفي في العام مئة وعشر من الهجرة، اشتهر هذا الشاعر الفذ في التاريخ العربي، حيث يعتبر واحدا من أبرز الشعراء العرب على الإطلاق، نشأ في البادية فاكتسب العلم واللغة من هذه البيئة، وعرف بملحمة النقائض مع الشاعرين الأخطل والفرزدق، إلا أن هذه الحرب الشعرية لم تقتصر على هذين الشاعرين، بل اصطدم أيضا بالعديد من الشعراء أمثال سراقة بن مرداس، وعدي بن الرقاع العاملي، وغيرهم الكثير. استغل شهرته بالوصول إلى الخلفاء الأمويين، أولهم الحجاج، ومروان بن عبد الملك، عمر بن عبد العزيز، وغيرهم. نشأت علاقة صداقة حميمة بينه وبين الفرزدق، إلا أن المعركة الشعرية لم تتوقف، بل تحولت إلى نوع من الفن الذي يظهران إبداعهما الشعري فيه.[?]
من جميل ما نظمه جرير من الشعر ما يأتي:
لولا ابن حكام وأشراف قومه،
لشق على سعد بن قيس حنينها
أما خفتني يا حنب إذ بت لاعبا
و باتت لقاحي ما تجف عيونها
فيا جنب قد أسلفت في الحزن دينة
عست تقتضى من أم جنب ديونها
وأقرضت قرضا سوف تجزى بمثله
وحربت أسدا ما يرام عرينها
فلو صادفت تلك الحجارة رأسه
لغادرت أم الرأس تغلي شؤنها
فطريقة كيف تقول الله يزكى صحيفة
بعنوانها جنب وجنب أمينها
أيا جنب قد كانت تميمة حرة
ولكنها بئس القرين قرينها
و ما فارقت يا جنب حتى حبستها
مسلسلة وافي الهلال جنونها.
- الفرزدق: همام بن غالب بن صعصعة، من بني تميم، نشأ في بيت شرف وكرم، الأمر الذي أثر بشخصيته وظهر واضحا في شعر فخره بنسبه وآبائه وأجداده، لقب بهذا الاسم بسبب وجهه الضخم والذي يشبه الرغيف؛ فالفرزدق اسم من أسماء رغيف الخبز عند العرب. أخذ التقافة والعلم من مجالس العلماء، ولا سيما مجلس الحسن البصري، فاعتبرت أبياته شاهدا شعريا على القواعد النحوية واللغوية لجزالة ألفاظها وقوتها اللغوية. كان كثير العداوة بسبب شعره، فخرج من العراق إلى مصر هاربا، وانتهى به الأمر أن حبسه هشام بن عبد الملك. اشتهر بكونه عضوا في الحرب الشعرية مع الشاعرين الأخطل وجرير، وكان كثيرا ما كان يعمد إلى الفخر بأصله فيحرجهما فلا يستطيعان الرد، ومع ذلك، رثاه جرير عندما توفي بقصيدتين عدتا من اجمل وافضل ما كتبه جرير في الرثاء.[?]
من جميل ما قاله الفرزدق في الشعر ما يأتي:
إذا لاقى بنو مروان سلوا
لدين الله، أسيافا غضابا
صوارم تمنع الإسلام منهم
يوكل وقعهن بمن أرابا
بهن لقوا بمكة ملحديها
ومسكن يحسنون بها الضرابا
فلم يتركن من أحد يصلي
وراء مكذب إلا أنابا
إلى الإسلام، أو لاقى، ذميما
بها ركن المنية والحسابا
وعرد عن بنيه الكسب منهم
ولو كانوا ذوي غلق شغابا.
شعراء الغزل الصريح
بدأت جذور هذا النوع من الغزل منذ العصر الجاهلي، واشتهر امرؤ القيس به، ثم جاء عصر الإسلام ليهذب النفوس، وما لبث أن عاد مرذة أخرى للظهور في الحجاز بانفتاح الدولة الإسلامية على الحضارات الأخرى، ويعد رائد هذا الغزل في العصر الأموي عمر بن أبي ربعية، وساعد كل من العرجي والأحوص ويزيد بن الطئرية في ترسيخ قواعده. [??]
عمر بن أبي ربيعة: لقب هذا الشاعر بالعاشق، فقد تميز شعره بالغزل والمجون، كما تميزت بعض أشعاره بالخلاعة، اشتهر هذا الشاعر بقصائده الغزلية الصريحة بسبب اختلاطه الكبير بالنساء؛ فقد عاش حياة الترف والغنى، وقد كان يغازل غزلا صريحا واصفا مفاتن المرأة بصورة جريئة، ومن أبرز الإضافات التي أضافها ابن أبي ربيعة لشعر الغزل هو أسلوب الحوار، بالإضافة إلى الليونة والسهولة في الألفاظ التي جعلت من شعره مادة خصبة للغناء بسبب الأوزان الرائعة التي تمتع بها. [??]
من جميل ما قال من الشعر ما يأتي:
صرمت حبلك البغوم، وصدت
عنك، في غير ريبة، أسماء
و?لغواني إذا رأينك كهلا
كان فيهن عن هواك التواء
حبذا أنت يا بغوم وأسما
ء، وعيص يكننا وخلاء
ولقد قلت ليلة الجزل لما
أخضلت ريطتي علي السماء:
ليت شعري وهل يردن ليت
هل لهذا عند الرباب جزاء؟
كل وصل أمسى لدي لأنثى
غيرها، وصلها إليها أداء
كل أنثى وإن دنت لوصال،
أو نأت، فهي للرباب فداء
فعدي نائلا، وإن لم تنيلي،
إنما ينفع المحب الرجاء.
شعراء الغزل العذري
جاء الشعر العذري نقيضا للشعر الصريح، فكان حبا ينبع من الروح وليس الجمال الجسدي، وكان الشاعر إن لم يتزوج محبوبته يهيم على وجهه في الصحراء حتى يموت على حبها. من أشهر شعراء الغزل الصريح قيس بن الملوح، وقيس بن ذريح، وجميل بن معمر، وعروة بن حزام.
قيس بن الملوح: عرف هذا الشاعر بلقب مجنون ليلى بسبب حبه لليلى العامرية، وهو أحد القيسين، يعتبر أحد أبرز شعراء العصر الأموي، وأحد أبرز الشعراء العرب على الإطلاق، تزوج محبوبته إلا أنه لم يرزق بأولاد منها، فأجبر على تطليقها، إلا أنه جن جنونه وهام على وجهه، ولم يهدأ حتى تزوجها مرة أخرى، وعندما مرضت وماتت لازم قبرها حتى مات ودفن إلى جانبها. [??]
من جميل ما قاله من الشعر ما يأتي:
تباكر أم تروح غدا رواحا
ولن يسطيع مرتهن براحا
سقيم لا يصاب له دواء
أصاب الحب مقتله فناحا
وعذبه الهوى حتى براه
كبري القين بالسفن القداحا
فكاد يذيقه جرع المنايا
ولو سقاه ذلك لاستراحا
شعراء الزهد
ظهر شعر الزهد بسبب تأثير ونتائج الدعوة الإسلامية وما شجعت عليه من الأخلاق الحميدة، والإقبال على العمل الصالح، والزهد في الدنيا، وتعتبر حركة شعر الزهد ردا على شعر المجون واللهو والخلاعة. عمد شعراء الزهد إلى الابتعاد عن الدنيا وتجنب مخالطة الناس خوفا من الفتنة، إلا أن اللافت للنظر أن الكثير منهم اتجه إلى الوعظ وتذكير الناس بتعاليم الإسلام، أشهرهم الحسن البصري.[??]
أبو الأسود الدؤلي من أعلام شعراء الزهد في العصر الاموي، عالم نحوي، وفقيه، وصديق لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، آثاره في النحو واللغة أكثر من الشعر، شهد حادثة صفين إلى جانب معاوية بن أبي سفيان. له من الشعر ما كتبه في المدائح، والهجاء، والغزل، إلى جانب الزهد. [??]
من جميل الشعر الذي نظمه الدؤلي ما يأتي:
لعمري لقد أفشيت يوما فخانني
إلى بعض من لم أخش سرا ممنعا
فمزقه مزق العما وهو غافل
ونادى بما أخفيت منه فأسمعا
فقلت ولم أفحش لعا لك عاليا
وقد يعثر الساعي إذا كان مسرعا
فلست بجازيك الملامة إنني
أرى العفو أدنى للسداد وأوسعا
ولكن تعلم إنها عهد بيننا
فبن غير مذموم ولكن مودعا
حديثا أضعناه كلانا فلن أرى
وأنت نجيا آخر الدهر أجمعا
وكنت إذا ضيعت سرك لم تجد
سواك له إلا أشت وأضيعا.