غدر الزّمان
لا يمكن للدّنيا أن تدوم جيّدةً لأحد، فرتاها تصفو لأحدٍ وتغدر بآخر، فهي متقلّبة غير مستقرّة، وبها كتب الشّعراء آراءهم، ووصفوا شعورهم وأحاسيسهم.
شعر عن غدر الزّمان
ولعلّ احسن وأفضل من قال الشّعر في هذا المجال هو الإمام الشّافعي، فقال:
- لا تأسفنّ على غدر الزّمان لطالما
رقصت على جثث الأسود كلاب
لاتحسبنّ برقصها تعلو على أسيادها
تبقى الأسود أسوداً والكلاب كلاب
تموت الأسود في الغابات جوعاً
ولحم الضّأن تأكله الكلاب
وذو جهل قد ينام على حرير
وذو علمٍ مفارشه التّراب
* الدّهر يومان ذا أمن وذا خطر
والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر
أما ترى البحر تعلو فوقه جيف
وتستقرّ بأقـصى قـاعه الدّرر
وفي السّماء نجوم لا عداد لها
وليس يُكسف إلّا الشّمس والقمر
- نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزمانا عيب سوانا
ونهجو ذا الزّمان بغير ذنب
ولو نطق الزّمان لنا هجانا
وليس الذّئب يأكل لحم ذئب
ويأكل بعضنا بعضاً عيانا
- دع الأيام تفعل ما تشاء
وطب نفساً إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة اللّيالي
فما لحوادث الدّنيا بقاء
وكن رجلاًعلى الأهوال جَلدا
وشيمتك السّماحة والوفاء
وإن كثُرت عيوبك في البرايا
وسَرَّك أن يكون لها غطاء
تستّر بالسّخاء فكلّ عيب
يغطّيه كما قيل السّخاء
ولا ترَ للأعادي قطُّ ذُلّاً
فإنّ شماتة الأعدا بلاء
ولا ترج السّماحة من بخيل
فما في النّار للظمآن ماء
ورزقك ليس ينقصه التّأني
وليس يزيد في الرّزق العناء
ولا حزنٌ يدوم ولا سرورٌ
ولا بؤسٌ عليك ولا رخاء
إذا ما كنت ذا قلبٍ قنوعٍ
فأنت ومالك الدّنيا سواء
ومن نزَلَتْ بساحته المنايا
فلا أرض تقيه ولا سماء
وأرض الله واسعة ولكن
إذا نزل القضا ضاق الفضاء
دع الأيام تغدر كلّ حين
فما يغني عن الموت الدّواء
قصائد في غدر الزّمان
كثُرت القصائد في هذا الموضوع، وتسابق الشّعراء للمشاركة بمشاعرهم وتجاربهم، ومنها نذكر القصائد الآتية:
لا تأمنن غدر الزَّمان العادي
إبراهيم أطميش
لا تأمننّ غدر الزَّمان العادي
من بعد نازلةٍ بخير عماد
هيهات أن يصفو الزّمان وخلقه
سقم الكرام وصحة الأوغاد
وإذا صفا لذوي المكارم صبحه
أمسى فرنق صفوه لنكاد
عادي الكرام من الأنام كأنّه
والحتف قد كانا على ميعاد
شُلّت يد الدّهر الخؤون فإنّها
ذهبت من العلياء بالأمجاد
بمحمد أودى الرّدى فكأنّما
أودى الوجود بمقلة الإيجاد
وإنجاب عن أفق الهداية بدرها الـ
ـموفي السّنا فخبا ضياء النّادي
لا الرّوض والماء المعين خلافه
عذباً إلى الرّواد والوُرّاد
كلا ولا عين الهدى من بعده
عن سهدها اكتحلت بميل رقاد
أسفاً على علم الإمامة والتقى
يسري الذّبول لقدّه المياد
نفذت سهام الدّهر فيه وليتها
من قبل معطفه أحسّ فؤادي
يا ناعي الشّرع الشّريف ومعدن الدّ
ـين الحنيف ومقصد الوقّاد
أوحشت ربع العلم حتّى لم يكن
من رائح فيه ولا من غاد
ونعيت للأفق الرّفيع كواكب الشّـ
ـرف المنيع وكلّ بدر هادي
وقرت سمع المكرمات بنعي من
أضحى لبيت المجد خير سناد
يا من به إبل الرّجاء تناقلت
في هذهب الأوهام والأنجاد
أربع على ضلع فقد ذهب الرّدى
من آمريه ببغية المرتاد
من بعده لولا النّدى لبقي الرّجا
كرماً وينقع من غليل الصّاد
فهو الذي كانت مواهب فضله
للنّاس كلأطوق في الأجياد
لمعت بأفق الفضل غرّ صفاته
شهباً لها الجوزا من الحسّاد
فيه تزيّنت المنابر واغتدت
من قبله مُخضرّة الأعواد
وتدفقاً من علمه ونواله
بحران للطّلاب والوُفّاد
ما انفكّ ما بين البريّة مُفرداً
سام على الأشباه والأنداد
يحكي النّسيم بخلقه لكنّه
بالحلم كالجبل المنيف العادي
قد ساد بالتّقوى العباد وإنّه
زين العباد وزينة العُبّاد
إن كان جِيْد الدّهر أضحى عاطلاً
حلاه من كفّيه بالأرقاد
أودى من العليا فما سلك الورى
من بعد غيبته سبيل رشاد
ومضى نقيّ العرض غير مُدنَّسٍ
حسن الخلائق طيب الأبراد
يا بدر أوج العلم عن أفق العُلا
كيف انتقلت لدارة الألحاد
ورمت سنا عَلياك وهو مشعشع
كفّ المنايا السّود بالإخماد
فعليك يا زاكي النّقيبة لم أزل
دون الورى أرقاً حليف سهاد
أنّي وددت بأن يكون على الثّرى
من دون شخصك مضجعي ومهادي
صاب شربت به المنيّة قد غدا
مستعذب الإصدار والإبراد
يا منقذ الأحكام بعدك لم يكن
في الناس للأحكام من نُقّاد
ما خصّ فادحك الغريّ وإنّما
سارت نوادبه بكلّ بلاد
أبكي إلى المحراب بعدك يكتسي
من بعد زهرته ثياب حداد
يا ميّتاً أحيي تقاه وعلمه
علم الأثمة في تقى السّجاد
غدرَ الزمان وليته لم يغدر
عبدالصّمد بن المعذل
غدرَ الزّمان وليته لم يغدر
وحدا بشهر الصّوم فطر المفطرِ
وثوتِ بقلبك يا محمد لوعة
تمرى بوادرَ دمعك المتحدّرِ
وتقسمتك صبابتان لبينه
أسفُ المشوق وخلة المتفكّرِ
فاستبقِ عينك واحش قلبكَ ياسَهُ
واقرأ السّلام على خوّان المنذرِ
سُقياً لدهرك إذ تروح يومه
والشّمس في علياء لم تتهوّرِ
حتّى تنيخ بكلكل متزاور
وتمدّ بعلوماً قموص الحنجرِ
وترود منك على الخوّان أنامل
تدع الخوّان سراب فاع مقفرِ
ويحَ الصّحاف من ابن فراش إذا
أنحى عليها كالهِزَبْرِ الهَيْصَرِ
ذو دُرْبة ٍ طَبّ إذا لمعت له
بشر الخوان بدا بحلِّ المئزرِ
ودّ ابن فراش وفراش معاً
لو أن شهر الصّوم مدة أشهرِ
يزري على الإسلام قلّة صبره
وتراه يحمد عدّة المتنصرِ
لا تهلكن على الصّيام صبابة ً
سيعود شهركَ قابلاً فاستبشرِ
لا درَّ درك يا محمد من فتى ً
شَيْنِ المغيب وغير زَيْنِ المحضرِ
دهتْني صروفُ الدّهر وانْتَشب الغَدْرُ
عنترة بن شدّاد
دهتْني صروفُ الدّهر وانْتَشب الغَدْرُ
ومنْ ذا الذي في النّاس يصفو له الدّهر
وكم طرقتني نكبة ٌ بعد نكبة ٍ
ففَرّجتُها عنِّي ومَا مسَّني ضرُّ
ولولا سناني والحسامُ وهمّتي
لما ذكرتْ عبسٌ ولاَ نالها فخرُ
بَنَيْتُ لهم بيْتاً رفيعاً منَ العلى
تخرُّ له الجوْزاءُ والفرغ والغَفْرُ
وها قد رَحَلْتُ اليَوْمَ عنهمْ وأمرُنا
إلى منْ له في خلقهِ النُّهى والأمر
سيذْكُرني قَومي إذا الخيْلُ أقْبلت
وفي اللّيلة ِ الظّلماءِ يُفتقدُ البدر
يعيبون لوني بالسّواد جهالة
ولولا سواد اللّيل ما طلع الفجر
وانْ كانَ لوني أسوداً فخصائلي
بياضٌ ومن كَفيَّ يُستنزل القطْر
محوتُ بذكري في الورى ذكر من مضى
وسدتُ فلا زيدٌ يقالُ ولا عمرو
لا يَخدعنَّكَ صِحة ٌ ويَسارُ
ابن عينين
لا يَخدعنَّكَ صِحة ٌ ويَسارُ
ما لا يدومُ عليكَ فهوَ معارُ
يغشى الفتى حُبَّ الحياة ِ وزينة َ الـ
ـدّنيا وينسى ما إليهِ يصارُ
وإذا البصائرُ عن طرائق رشدها
عميتْ فماذا تنفعُ الأبصارُ
لا تغترر بالدّهرِ إنْ وافاكَ
حالٍ يسرُّكَ إنّهُ غرَّارُ
انظرْ إلى من كانَ قبلكَ واعتبرْ
ستصيرُ عن كَثَبٍ إِلى ما صاروا
فيزول عنك جميعُ ما أوتيتَ في الـ
ـدّنيا ولو زويتْ لكَ الأمصارُ
تزارُ الكرامُ ولا كرزءِ عشيرة ٍ
فجمعتْ بمن منهم إليهِ يشارُ
أو أرتجي خِلاً سِواكَ أَبثُّه
وسقى ضريحكَ وابلٌ مدرارُ
حتّى تُرى جَنَباتُ قبركَ روضة ً
مخضرَّة َ ويحفُّهُ النُّوارُ
أَبكي عليكَ ولو وفتْ لك أدمعي
لتعجبتْ من مَدّها الأنهارُ
يا بدرُ كنتَ لنا اليمينَ وما عسى
تُغني إِذا مَضَتِ اليمينُ يسارُ
يا بدرُ ضاقَ بكَ الضريحُ وطالما
ضاقتْ على عزماتكَ الأقطارُ
أَعززْ عليَّ بأنْ يضيقَ بكَ الثّرى
ويميلَ عن عرصاتكَ الزوَّارُ
قد كنتَ ذخراً للملوكِ وعمدة ً
فبرأيكَ الإيرادُ والإصدارُ
ولكم برأيكَ من ورائكَ قد سرى
نحوَ الأعادي جحفلٌ جرَّارُ
ومن العجائبِ أنَّ بدراً كاملاً
يعتادهُ عندَ التّمامِ سرارُ
كان الجوادَ بما حوى وقد استوى
في مالِه الإِقلالُ والإِكثارُ
صافي أديمِ العرضِ لا يْنأى النّدى
عنه ولا يدنو إِليه العارُ
من أسرة ٍ عربية ٍ جاءتْ بهِ
عربية ٌ آباؤها أحرارُ
لم يُغْذَ مِن لبنِ الإِماءِ ولم تُحِلْ
أخلاقه عن طبعهِ الأظآرُ
قد كان إِنْ خفَّتْ حلومُ ذوي النّهى
للهَول فيه رَزانة ٌ ووَقارُ
يا بدرُ لو أبصرتُ بعدكَ حالنا
لشجاكَ ما جاءتْ بهِ الأقدارُ
سُرَّتْ أعادينا وأَدركَ حاسدٌ
فينا مناهُ وقلَّتِ الأنصارُ
كنا نُخافَ ويرتجي إِحسانَنا
أعداؤنا ويعزُّ فينا الجارُ
ما العيشُ بعدكً بالهنيء ولو صفتْ
فيه الحياة ُ ولا الدّيارُ ديارُ
هيهاتَ أن يلتذَّ جفني بالكَرى
من بعدِ فقدكَ أو يقرَّ قَرارُ
غدرَ الزّمانُ بنا ففرَّقَ بيننا
إنَّ الزّمانَ بأهلهِ غدَّارُ
لو أنَّ قلبَ الموتِ رقَّ لهالكٍ
لشجاهُ أطفالٌ وراكَ صغارُ
لم يكفِ صرفَ الدّهر دفنُك في الثّرى
حتّى نأتْ بكَ عن دمشقَ الدّارُ
ما أنصفَ الدّهرُ المفرّقُ بيننا
أفبعدَ موتٍ نقلة ٌ وسفارُ؟
سَجايا، كلُّها غدْرٌ وخُبثٌ
أبو العلاء المعرّي
سَجايا، كلُّها غدْرٌ وخُبثٌ
تَوارَثَها أُناسٌ عن أُناسِ
يُهاجرُ، غابَهُ، الضّرغامُ، كيما
يُنازِعَ ظبيَ رَمْلٍ في كِناس
وتَقبُحُ، بعدَ أهليها، المَغاني
كقُبحِ غُيوبهم بعدَ الإناس
يُرادُ بكَ الجميلُ، على اقتسارٍ
وتُذْكَرُ بالوَفاءِ وأنتَ ناسي
وحمّلتَ الذّنوبَ قَرا ضعيفٍ
وسرتَ بهنّ في طُرقِ التّناسي
يُفارقُ، شهلةً، كهلٌ وشرخٌ
فواسي بالتّشابهِ والجِناس
وما أرْضاكَ رأيٌ من دُرَيْدٍ
غداةَ يرُومُ قُرْباً من خُناس