لقد مر التاريخ الإسلامي منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بالعديد من الحقب المختلفة التي تميزت كل منها بأمر معين، فكانت بعض الحقب مصدر عز وفخر للمسلمين، أما بعض الحقب الأخرى فقد عانى المسلمون فيها من التدهور على عدة أصعدة، وتعتبر فترة الصليبيين والحروب الصليبية واحدة من هذه الحقب التي عانى فيها المسلمون من أبشع صور العذاب والتشريد وخاصة في بلاد الشام، وقد استمرت هذه الحقبة لفترة طويلة من الزمن حتى أتى القائد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، وقام بتحرير المسجد الأقصى وأراضي المسلمين المختلفة من أيدي الصليبيين؛ إذ قام بفعل هذا عن طريق سلسلة من المعارك التي كانت من أشهرها معركة حطين التي قام فيها المسلمون بتحرير أرض المقدس ومعظم بلاد المسلمين.
وقعت معركة حطين في الرابع من يوليو لعام 1187م الموافق للخامس والعشرين من ربيع الثاني لعام 583هـ، فحصلت المعركة في قرية تقع بين الناصرة وطبريا على تلال حطين، فكانت جيوش المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي، بينما كانت جيوش الصليبيين بقيادة غي دي لوزينيان وريمون الثالث ورينو دي شاتيون، فسبقت معركة حطين بعض العمليات العسكرية التي كانت تهدف إلى توحيد قوى المسلمين، فقام صلاح الدين الأيوبي رحمه الله بفتح باب التطوع لمحاربة الصليبيين في بيت المقدس، كما طلب الدعم من المسلمين في شتى البقاع؛ كالموصل، والشام، وجزيرة العرب، فاجتمعت القوات في البصرى، وكانت مكونة من حوالي 25000 محارب.
في بداية القتال قامت قوات المسلمين بالسيطرة على أرض المعركة، وأحرقت الأعشاب في أرض المعركة، وسيطرت على عيون الماء، مما أدى إلى زيادة عطش الصليبيين، وهو الأمر الذي دفعهم إلى النزول ومواجهة المسلمين وجها إلى وجه، فقام المسلمون بإجبار الصليبيين على الفرار من السهل بين لوبيا وطبريا إلى تل حطين، فقام المسلمون في تلك المنطقة بحصار الصليبيين، والذين قاموا بتوجيه الضربات المتتالية عليهم حتى قام ريمون الثالث بزحزحة جيش المسلمين، وهو ما ظنه الصليبيون ثغرة، إلا أن المسلمين قاموا بحصارهم أيضا وأسقطوا منهم العديد من الجرحى والأسرى والقتلى، والذين كان منهم غي دي لوزينان ملك القدس مع العديد من قادة الصليبيين، فانتهت بذلك معركة حطين، وقام صلاح الدين بأسر العديد من قادة وفرسان الصليبيين، وقام بمعاملتهم بإحسان، كما توالت بعدها انتصارات المسلمين، وقاموا باحتلال المدن الساحلية الواحدة تلو الأخرى، وقد أدت انتصارات المسلمين المتوالية إلى دعوة بابا روما إلى التجهيز إلى حملة صليبية ثالثة لإعادة احتلال الأراضي المقدسة مرة أخرى.