الرؤية الشرعية النّاظمة لحكم مصافحة غير المحارم

ينظر الإسلام إلى الذكر والأنثى على أنهما نوعان لجنس واحد، هو جنس الآدمية، وأنّ العلاقة بينهما علاقة تكامل، لا تضادّ فيها، وجاءت كثير من التشريعات بهدف تنظيم هذه العلاقة بما يضمن سلامة الحياة الاجتماعية في دنيا النّاس، ومن ذلك أنْ شرّع الإسلام الزواج، وأرسى أحكامه وبيّن شروطه، ونهى عن الزّنا، ورتّب على فاعله عقوبة دنيوية، وأخرى عند لقاء الله –تعالى- إذا لم يتُب، ثمّ إنّ الإسلام وضع شروطاً وضوابط لاختلاط المرأة بالرّجل؛ فحرّم على الرّجل مصافحة المرأة غير المُحرمّة عليه على وجه التأبيد، وفي ذلك حِكَمٌ تشريعية كثيرة، لعلّ من أهمّها سدّ ذرائع الفساد، والمبالغة بصون عفّة المرأة المسلمة، فما حكم مصافحة غير المحارم.

حكم مصافحة غير المحارم

  • لا يجوز للرجل أن يصافح غير المحرّمات عليه –على وجه التأبيد-؛ دلكم أّن الله –تعالى- أمرنا بغضّ الأبصار عن النّساء، وإنّ الذي يظهر للنّاس منهنّ غالباً الوجه واليدان، فإذا كان الإسلام قد حرّم النّظر إلى ذلك فالمصافحة واللمس محرّمة من باب أولى، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أحدِكم بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ).
  • لو قال أحدهم: إنّ المصافحة تكون بنيّة سليمة، وتقضيها طبيعة الحياة وظروف العمل، يُقال له: إنّ صاحب أطهر قلب، وأنقى نية –عليه الصلاة والسلام- تقول عنه السيدة عائشة –رضي الله عنها-: (واللهِ ما مسَّتْ يدُ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يدَ امرأةٍ قطُّ، غيرَ أنَّه بايَعَهُنَّ بالكلامِ).
  • رخّص بعض أهل العلم بجواز مصافحة غير المحارم من النساء إذا كانت امرأة طاعنة بالسنّ، بمعنى أنّه ليس للرجال بها حاجة.

أصناف المحرّمات اللواتي تجوز مصافحتهنّ

  • المحرمات تحريماً مؤبداً قد جمعهنّ المولى –سبحانه-: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً).
  • التّحريم بالنسب، وهنّ الأمهات، ويدخل فيهن الجدات، والبنات ويدخل فيهن بنات البنات، وبنات الأولاد والأخوات، والعمات، والخالات، وبنات الأخ وبنات الأخت.
  • التحريم بسبب الرضاع، والمحرمات بالرضاع ذكرهنّ القرآن الكريم في قوله –تعالى-: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ)، وقد جاء في الحديث: “يحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب”.
  • التحريم بسبب المصاهرة،  قال –سبحانه-: (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ)، فكل من عقد الزواج على امرأة تحرم على الزوج أمهاتها وجداتها بسبب العقد، وكذلك ترحم الربيبة وهي: بنت امرأة الرجل في حال كان قد دخل بأمها، قال تعالى: (وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) أي: جامعتموهن، ويحرم كذلك زوجات الأبناء (وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) فحليلة الابن، وهي زوجته حرام على أبيه حرمة مؤبدة، ومما يحرم بسبب المصاهرة كذلك زوجة الأصول، كزوجة الأب، لقوله تعالى: (وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ).

مسائل في حكم مصافحة غير المحارم

  • بناء على ما سبق؛ فإنّ زوجة الأخ، وأخت الزوجة، وزوجة العم والخال، وبنت العم والعمة، وبنت الخال والخالة، وزوجة العم وزوجة العمة من الفئات التي لا يجوز مصافحتهن.
  • إنّ كون هذا الأمر منتشر في بعض مجتمعاتنا تحت عناوين كثيرة لا يجعل من الحرام حلالاً، والأصل بالمسلم أنّه يحاكم أفعاله وتصرّفاته لحكم الشرع بالرّضى والتّسليم والانقياد، قال -تعالى-: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
  • المسلم يقدّم أحكام العبادات على سلطان العادات، وصدق الله إذ يقول: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا).

ننصحكم بمشاهدة الفيديو التالي الذي يتحدث فيه فضيلة الدكتور بلال إبداح عن حكم مصافحة الرجل للمرأة: